تشهد القارة الإفريقية صراعات و مصادمات بين الحين و الاخر و تشتعل ذروتها عند تضارب مصالح الولايات المتحدة الأمريكية و باقي القوى الاقتصادية الكبرى في العالم المتنامية نفوذها فى قلب القارة السمراء، فبحكم التوجهات الإستراتيجية الجديدة لما بعد ﻧﻬاية الحرب الباردة، و المحاولات المستمرة لكل طرف فى تطبيق مشاريعه الإستراتيجية للهيمنة على مناطق النفوذ والثروة في القارة الإفريقية انطلاقا من سياسة جيوبوليتكية براغماتية بحتة تخدم مصالحها و نفوذها قبل أى شئ أخر .

 و لذلك كان من الطبيعي بعد أنهيار الإتحاد السوفييتي و ما أصابه من تفكك و تشرذم، وبعد أن تربعت الولايات المتحدة الأمريكية على عرش الهيمنة العالمية سياسيا و أقتصادية أن باتت تعيد صياغة إستراتيجيتها بما يتوافق مع الوضع الجديد الذى تشكل وقتها، فكما شهد العالم صياغة خارطة سياسية جديدة إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى، تمثلت في تطبيق اتفاقيات سايكس بيكو ثم وضع وعد بلفور البريطاني موضع التنفيذ تجسيدا للهيمنة البريطانية والفرنسية على منطقة الشرق الأوسط، و كما شهد العالم صياغة خارطة سياسية جديدة إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتراجع قوة و نفوذ كلا من المملكة المتحدة و فرنسا، تمثلت في الاعتراف بالثنائية القطبية، واعتمدت منطق الإزاحة للاستعمار التقليدي واستقلال كثير من الدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، فإن الإستراتيجية الجديدة ستنطلق من مسلمات عديدة أهمها تصميم الولايات المتحدة الأمريكية على التأكيد للعالم بأنه لم تعد هناك قوة  عسكرية أو اقتصادية منافسة لها .

و لكم أن تعلمو أن جمهورية الصين الشعبية التي تنظر للقارة الافريقية نظرة اقتصادية خاصة و بأهتمام بالغ فى أخر عقدين، و التى نظمت قمتها الإفريقية الناجحة بعام 2008م كتتويج لنجاحها الاقتصادى داخل السوق الافريقي قد ارتفع حجم التبادلات التجارية بينها و بين دول القارة السمراء بأخر عامين فقط الى معادلات هائلة النمو، ففى عام 2000م كان يبلغ حجم التبادل التجارى بين الصين و أفريقيا 10 مليار دولار، و فى عام 2008م وصل التبادل التجارى الى 100 مليار دولار، و بالعام الماضى عام 2013م وصل حجم التبادل الى 210 مليار دولار، هذا فى الوقت التى وصل فيه التبادل التجارى بين الولايات المتحدة الامريكية و افريقيا الى 85 مليار دولار، كما أن كل المؤشرات تقول أن حجم التبادل سيتضاعف بقوة فى الثلاث اعوام القادمة، فمع بداية عام 2009م أقتنصت الصين لقب الشريك الاقتصادى الاول للقارة السمراء بدلا من الولايات المتحدة، و هى الامور التى جعلت الرئيس الامريكي " باراك أوباما " يتمعن جيدا فى سياسة أدارته تجاه القارة السمراء الذى أصبح بها أكثر من مليون صينى و ما يملكوه من أستثمارات و أعمال حتى باتت اللغة الصينية الصعبة منتشرة فى دول أعتاد لسانها التحدث الفرنسية أو البرتغالية فقط، و لذلك جاء عقد القمة الامريكية الافريقية الاخيرة التى كانت ببداية أغسطس الماضى بالعاصمة واشنطن .

و منافسين الولايات المتحدة فى القارة السمراء لم يقتصرو على الصين و اليابان فقط، فالبرازيل أيضا دخلت الى أدغال القارة السمراء من الباب الواسع بعد أفتتاح أكثر من عشرون سفارة دبلوماسية في العقد الاخير، لدعم نشاط شركات المقاولات و النفط البرازيلية كشركة بتروبراس العملاقة، و شركة أودبريشت، و شركة فالي دي ريو دوسي أكبر الشركات المنجمية بالبرازيل، و غيرها من الشركات التى تعمل فى أستخراج المواد الخام و تصنيع المواد الثقيلة، بجانب لا نستطيع أن نغفل تصاعد المؤشر الكورى و الاندونيسي بجانب استثمارات دول الخليج العربى فى الخمس سنوات الاخيرة .

فأذا كانت الولايات المتحدة تخوض حرب شرسة ضد روسيا الاتحادية فى كييف و سوريا و باقى مواقع الحرب الباردة حاليا، فأنها تخوض أيضا حرب لا تقل ضراوة مع الصين و الوجوه الاقتصادية العالمية الجديدة فى أدغال القارة السمراء، و اذا كانت الولايات المتحدة وضعت استراتيجية واضحة بعد الحرب العالمية الثانية تجاه أفريقيا لملء الفراغ السياسى و العسكرى و الثقافى أيضا الذى سيخلفه رحيل الاستعمار الغربى فهى الان و بعد تغيير خريطة قوى العالم مجددا و تغير موازين القوى الاقتصادية، باتت واشنطن تضع استراتيجيات جديدة تشبع طموحات العم سام تجاه قارة ينام سكانها الفقراء المرضى على كنوز و ثروات لا حصر لها  .

 

الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]