في شَارع "le prince" بمرّاكُش، وُلدتْ قصّةٌ سيروِيها الحكواتيُّون لكلّ عابِري عتَبات قصْر يُوسف بن تشافِين، المعتمَد بن العباد لنْ يصدّق ما سيُخبره "لْمسيّْح" عن تِلك الجنُوبية الّتي كلّما تبسّم ثغرُها انحنتِ "الكُتبية" تركعُ، لم أرَ قَطُّ موْكِب مصلِّين تأمّهُم امرأةٌ حتّى اصطفَّ خلف الجنُوبية أهلُ "اغمَات" يردّدُون جماعاتٍ "آآآآمين" قبْل أن تُتمم "ولا الضّالِّين" حتَّى...

رمَيْنا حُمقنا في وُجوه كلّ الشُّقر والصّفر والسُمر والحُمر، وتلحّفْنا الحب والقُبل غطاءً، تِلك الأصابعُ المتشابِكةُ نذرتْ للرّحمنِ دفْئها، ورقّتها، وغنجَها.
فلتُسقطوا عنّا صكُوك غُفران القبِيلة.

لها خالةٌ أسفَل ذقْنِها، كأنّ الحجر الأسوَد هوَى في كُوب حلِيب. لو كُنتُ أبا سُفيانٍ لاتّهمتْنِي القبِيلة بالانقِلاب على ذوْق الله، كمْ أحبّ هذا الله؛ وأنا بكامِل انتباهِي، أراهُ يضعُ تِلك الشّامات، بإزمِيل من نُور، فوْق ذاك الجسَد المُسجَّى. ثمّ يقُول لها "كُن فتكُن" أعانقُها إن فتحتْ عينيْها وإن فتّقت تلك الرُّموش الطّيَّ والخولّان.
تِلك الخالةُ لِي، ولِي كلّ حصُون الجنُوب، وعشّ الشّمسِ حِين تهوِي من فرْط التّعب، كلّ سلالَات الرِّيح والهواءَ الرّطبِ لِي.

لم تكُن أذرُعِي وسادةً تحْت رقّة عُنُقك الشّفافْ، عنْدما حاولْتِ عبُور النّهْر، اصطفّتْ كلُّ أضلُعِي معْبراً، كما يفعلُ الجُند حِين يستوُون، ما زِلتُ أحفظُ ايقَاع أقدامِك الحافِية وهيَ ترقُص في كامِل نُضجِها.
كمْ عبَر منهُم النّهْر، مدجّجِين بالصّخب وأغَانِي الطُّبُول، كمْ كسرُوا ورفسُوا؛ ولم يأبهُوا.
كيْف حفِظتُ ايقاعَك، وكيْف بقِيتْ أضلُعِي تحرُس فراخ البطّ في الوادِي، وما يزالُ عنُقك الشّفاف يتمدّدُ أمامِي كطرِيق الأنبِياء إلى السّماءْ.

كلّما تيمّمتُ لأقُول لربِّي دُعاءً، انتصبتْ أصابعُها أمامِي كسرْب الكنارِي، بيْضاء شفّافةٍ كحبّة عِنبٍ في كامِل سكّرها، تكادُ تُبصرُ شرايِين مائِها، وعروقها الخفِيفة الرّقِيقة. أن تُقبّل تِلك الشُّعيرات عليْك أن تكُون حذِراً جدّاً، كيْ لا تُوقظ سكُون العالم.

كلّما تيمّمتُ لأشكُر الرّبّ، أنسَى فأبطِلُ وضُوئِي، وإنِّي أعلمُ أنّ الله يحتفِلُ بنا كلّما صَعد أنِينُ القُبل مْلءَ السّماء، إسراءً...

الجنُوب حبيبتِي، ولوْ خُيّرتُ بيْن حقُول البُرتقال شمالًا، ونسِيم الواحاتِ جنُوبا، لمِلتُ فِطرةً، لأعشاشِ الشّمْس، وشهْداً يخرُج دمْعا من أثْداء التمْر والبَلحْ.

صحافي من المغرب