نقترب سريعاً من الذكرى الثالثة لثورة فبراير وليبيا تمر بأسوأ أزمة سياسية واقتصادية منذ سقوط القذافي ويدفع بشعبها قسراً ليقع مرة أخرى تحت نير نظام دكتاتوري جديد، تؤسس له الأحزاب الدينية والميليشيات المسلحة يداً بيد مع أصحاب الأطماع وزمرة من المسؤولين المنتخبين.

ومع تضاءل الآمال في تحقيق مجتمع ليبي يتمتع بالحرية والاستقرار، يتزايد يقين الليبيين بأن الثورة كانت الفعل الأسهل والإسراع في التخلص من النظام الديكتاتوري، هذا الفعل رافقته مشاكل جدية قد يكون أخطرها على الإطلاق بروز مجموعات قد تبدو من ناحية نظرية منفتحة على الديمقراطية، ولكنها في الجوهر مشاريع أنظمة أكثر همجية من نظام القذافي.

لذا لم تخرج ليبيا حتى الآن من مجال الفوضى، والخيارات المطروحة تظل بعيدة عن التوافق السياسي حيث يراها البعض عاجزة عن تلبية المصلحة الوطنية، ويراها البعض الآخر فرصاً لاستثمار الوقت لبعض الأجسام السياسية كالمؤتمر الوطني العام الذي يسعى للتمديد عاماً آخر، وهو ما يرى فيه الليبيون تجاوزاً للشرعية واستخفافاً بمعاناتهم التي لم يسهم المؤتمر في تخفيفيها بأي شكل من الاشكال، محققاً بذلك علامة مسجلة للفشل.

في هذه الأثناء يجتهد حزب العدالة والبناء لتقديم مسوّدة قانون انتخاب لبرلمان جديد قبل نهاية الشهر في محاولة لفض هذه الإشكالية، ومن المعروف أن غالبية أعضاء هذا الحزب من الاخوان المسلمين، ومن أبرز قادتهم الأمين بلحاج الذي قام بصياغة قانون انتخاب المؤتمر الوطني عام 2012 والتي اتهم فيها بالتلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية لضمان الفوز لصالح الإخوان المسلمين، ومع هذا جاءت النتيجة لصالح تيار التحالف المصنف بالليبرالي.

أحد مؤشرات التدهور، زيدان الذي مازال متشبثاً بمنصبه ومدافعاً عن حكومته رغم تزايد المطالبات بضرورة رحيله، مستمراً في العمل بنفس الإيقاع وذات الأقوال، ولا يفصله عن الرحيل إلا خيط رفيع.

وفي غياب شخصية وطنية يلتف حولها الليبيون تستمر الأحزاب والكتل في طرح كوكتيل من الخيارات التي يبدو أنها لم تنل الوفاق حتى الآن، ومع رفض زيدان للرحيل لم يبق أمامنا إلا حكومة ديمقراطية موازية تقوم بمهامها وتحصل على التزام وتعاون الليبيين، حتى يحين الوقت ليتم تبني دستور وعمل انتخابات.

ولاستمرار الحياة بأدنى سقف ممكن لا يتوقف الشارع الليبي عن المظاهرات والاحتجاجات والتي بالرغم من نبل دوافعها إلا أنها ليست كافية للتغلب على هذه القوة الميليشياوية والدينية التي تحكم البلاد والتي أيضاً لديها مناصريها.

وإن بقى هذا النوع من المقاومة قد يؤدي إلى المزيد من المعاناة وأعداد القتلى والضحايا، كما جرى الأمر في أحداث غرغور، إلا أنها عززت فكرة الخلاص على يد الشعوب وليس بالاعتماد على الحكومة.

في محاذاة هذا السيناريو الموغل في الانتهاك المتواصل لحقوق الإنسان الأساسية والسياسية وسطوة المجموعات التي تمتلك العتاد والذخائر، تبرز جهود وأدوار مضيئة متمثلة في طلبة الجامعات والأندية الرياضية ومؤسسات المجتمع المدني وبعض المؤسسات الثقافية التي توفر دعماً وأسساً جماعية من خلالها تستطيع التأثير على توجه المجتمع ومقاومة أي اعتداءات على مصالح الناس، أما المفارقة الكبرى فقد تلخصت في الدور الاجتماعي لشيوخ القبائل الذين كانت لهم اليد الفضلى في تجنيب البلاد حمامات من الدم الذي يشكل خطراً على مستقبل بناء الدولة.

بالرغم من كل ذلك تبقى فرضية الاحتفال بذكرى فبراير كبيرة جداً للحفاظ على الروح المعنوية اللازمة للمراحل النضالية المقبلة.