الوطن للحقيقة والتاريخ يتجاوز حدود الاختلاف بين المفكر والمثقف ، بل يرفض الحصار العقلي والاغتيال الفكري ، هيمنة "التخلف" ونجاحها في السيطرة على العقل تفقدنا النقد الحر البنأ والدفاع عن الحريات الفكرية والدينية ، لكنه الزمن الردئ واختلال الميزان وفقدان القيم وانضمام القطيع في زمرة "المكفرين" كانت مدينة جميلة , مطوقة بالبحر والغابات , لكنها كأي مدينة ليبيه أصابها الهوان موحشة , محكومة بالإرهاب والجوع والسمسرة والحقد والجهل والقسوة والقتل بلا استحقاق ، يمنع فيه نقد الخطاب الديني والانقسام تخفي آلمها ومواجعها ، النبلاء فيها ارتفعوا بأنفسهم عن "الاتهامات" تضيع منا الرؤية والاستبصار ويعترينا الشرود نفقد الملامح والسمات ، جعلت الزائف العائد من وراء البحار ينتصر على الحقيقة بمجمع البلهاء حين لا يفرق بين المعتدلين والمتطرفين في التوحيد بين الفكر والدين وإلغاء المسافة بين الذات والموضوع والاعتماد علي سلطة السلف أو التراث ، هو إهدار دور العقل ومصادرة الفكر وتكريس أشد الأنظمة الاجتماعية والسياسية رجعيتا وتخلفا ، وحينئذ تتحول إلي غطاء أيديولوجي للنظام السياسي الرجعي وإلي تحريم النقاش والمساءلة ومناهضة الاستبداد والدعوة إلي العدل هو ليس بمعزل عن القوانين العامة التي تحكم الفكر البشري من منطلق خطاب ديني منحرف ، أضيف عليه ثوبا ميتافيزيقي سرمدي ، تحول إلي دستور سماوي مستغلق علي فهم الإنسان يعادي التقدم الحضاري ليحكم بالحديد والنار، الاعتراف بالدين بصفته جوهرا في أي مشروع للنهضة واجبا لكن بعد فهم سليم للدين وتأويله تأويلا علميا ينفي عن الفكر الديني ما علق به من خرافات ، وهو استبقاء لما يتضمنه من مفاهيم عقلانية ينبغي أن تكون دافعة نحو التقدم والعدل والحرية ، الفكر الاعتزالي كان يمثل حرية الفكر والديمقراطية والعدل ، غير أن المعتزلة ارتبطوا بالسلطة السياسية ، حاولوا أن يفرضوا أرائهم بالقوة وعملوا علي التنكيل بمخالفيهم في الرأي على نحو بعيد من مبدأي حرية الفكر والديمقراطية مما أفقدهم مصداقيتهم ، كنا نعترف بأن منهجهم كفيلا بأن يؤدي إلي منجزات حضارية غير أن حقيقة الولاء تقف عائقا دون ذلك ، وقع هذا المنهج في مغالطة حين أتهم منتقديه بالعلمانية ، يروج له عبر الإعلام أنها الإلحاد ودعوات التنصير ، هذا خطاب يخلط عن قصد خبيث يضعف من خطورة هذا الاتجاه بتزييف المفاهيم ، والواقع أن النغمة الحادة التي يتحدث بها هؤلاء تربطهم بالتطرف ووليهم "كاهن" يمثل سلطة شاملة ومرجعا أخيرا في مفاهيم الفكر والعقيدة والدين ، لم تكن المعركة التي تدور معركة قراءة النصوص والخطابات ، بل كانت لآليات العقل الإنساني التاريخي لا العقل الغارق في الخرافة والأسطورة ، الجمهور في المقاهي وأزقة البنيان تنادي بمنهج علمي عقلاني في أمور الحياة والمجتمع ولا يعني ذلك نبذ الدين ، وجب الخروج من ظلام العصور الوسطي إلي رحاب العلم والحرية لا البندقية والقضبان ، المؤكد تفسير أبعاد الصراع علي الحياة الثقافية والفكرية ، هذا السعي المستميت لإسكات " الخطر" بأي شكل وبأية صورة يبرز مدي أيديولوجية المصالح ، هذا النهج يمثل خطرا علي الوجود السياسي بل الاجتماعي وأصبح  يتاح له الذيوع والانتشار ، نحنا نقود معركة علي أرض مستباحة ، نقلوا ميدانها من الخطاب إلي الخطابة ، سعيا للحاق بإمامهم إلي طريق الجنة ، الوجه المشرق أكثر بروزا ، لكن هذا الوجه الضار يمثل خدشا لا يجب الوقوف عنده طويلا ، الكشف عن بنية التطرف وما تفضي إليه من إرهاب ، كان مستترا ومضمرا ، لكنه كشف عن نفسه جليا   واضحا ، ولا يجب أن يغيب عنا الخطاب القمعي ، الساعي إلي اغتيال الخطاب الناقد ، تتأكد بذا قيمة الوعي في مواجهة الوعظ ، والنقد في مواجهة النقل ، والحقيقة في مواجهة الزيف .