صدق برناردشو عندما قال أن من عيوب الديمقراطية أنها تفرض علينا الإستماع الى الحمقى ، وعندما أردف في مقولة أخرى أن الديمقراطية تتميز بأنها لا تعطينا أكثر مما نستحق ، وها نحن في الحالتين أمام حقيقة واحدة وهي سماع الحمقى بقدر ما نستحق ، وأكثر مما نتحمّل 

يخرج علينا رجل ديمقراطي جدا ، وحقوقي حتى النخاع ، ليرفع في وجوهنا شعارا لا يقبل القسمة على إثنين « أحكمكم أو أحكمهم ، ولا مفرّ لكم مني » ، ومن ورائه ترتفع رايات الجهاد ،وصيحات الثورجية المراهقين ، و أصوات وسائل إعلام الأهل والعشيرة من الدواعش ومشتقاتهم ، وهتافات الديمقراطيين الذين يجعلونك تلعن الديمقراطية وأمها وعمّها وجدّها وخالها ، وتلعن اليوم الذي أصبح فيه العلماني حليفا للإخواني في جوقة الربيع الأمريكاني وتحت مظلة المصالح المشتركة المرتبطة بحسابات خارجة عن نطاقك ونطاق شعبك ووطنك وبلادك ودولتك 

تنظر الى صفحات التواصل الإجتماعي فتكتشف أن الديمقراطية كشفت عن أسوأ ما في المجتمعات ، وفضحت أبشع ما في الشعوب المضحوك عليها والمغرّر بها ، أقصد الجزء الأكبر مما تسمى بالنخبة ، وهي نكبة ، حيث أضحى المثقف خيطا في شباك المواجهة ، يعلن فئويته وطائفيته ومذهيبته وجهويته ومناطقيته وقبليته سلاحا أمام منافسيه ، طالما هناك مصالح مالية وحسابات خفية أو دوافع غرائزية ونزعات إنتقامية ، أحيانا من الماضي بكل ما فيه ، أو من الحاضر و المستقبل معا ، وأحيانا من النجاح والتفوّق ، حيث لنا بحمد لله من بين نخبنا من تراهم مستعدين لتحمّل كل المصائب ما عدا مصيبة أن يرى غيره ناجحا في حياته وعمله ومرتاحا في وضعه ومساره

أما الحمقى الذين ذكرهم برناردشو ، فحمقهم غريزة ، وقد نقل إبن الجوزي ، رحمه الله ، في كتابه عن « الحمقى والمغفلين » عن أبي إسحاق ،قال : إذا بلغك أن غنيا إفتقر فصدّق ، وإذا بلغك أن فقيرا إستغنى فصدّق ، وإذا بلغك أن حيّا مات  فصدّق ،وإذا بلغك أن أحمق إستفاد عقلا فلا تصدّق 

وقال أبو يوسف القاضي : إذا قيل أن رجلا كان معك فتوارى خلف حائط فمات ، فصدّق ، وإذا قيل لك أن رجلا فقيرا خرج الى بلد فإستفاد مالا ، فصدّق ، وإذا قيل لك أن أحمق خرج الى بلد فإستفاد عقلا فلا تصدّق 

في هذه الحالة : هل يمكن أن نصدّق أن حمقى زمن الديكتاتورية أصابوا عقلا في زمن الديمقراطية ؟ بالتأكيد لا ، ولكنهم وجدوا منافذ للظهور بكل مالديهم من حمق حيث يتحركون في الفضاء العام المستباح تحت هويات مزوّرة ، ويقدمون  لنا أنفسهم  على أنهم ديمقراطيون وثوريون وتقدميون وحقوقيون ، مثبتين حمقهم بإعتقادهم أننا سنصدّق ما يقولون ، أو سنخاف مما به يرهبون ، وسنقبل بالسير حيث يريدون ،