الليبيون لم ينسوا بعد حادثة الاغتيال المروع لأستاذ الكيمياء روني سميث وحادثة مقتل السفير الأميركي ورفاقه، حتى فاجأتهم جريمة قتل المصريين السبعة، وهم كغيرهم من ضحايا الميليشيات. فالجريمة ليست بالضرورة لها علاقة بدين أو جنس أو انتماء الضحية. فليس خافيًا على أحد أن ليبيا قد أصبحت رهينة في قبضة العصابات المسلحة بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها، وجرائم هذه العصابات المسلحة أصبحت أمرًا واقعًا في ليبيا، التي أُرغِمَ شعبها على التعــايـش مع الــرعب والخـوف والجـريمة بأنواعها، ولكن هذا لا يعني أن الأغلبية الصامتة من الشعب الليبيّ هم أبرياء، فالصمت إزاء هذه الجرائم هو جريمة لا تقل بشاعة.

وليس بوسعنا أن نقول لمن بقي حيًا من الغــرباء عن هذا الوطن إلا: "ارجعـوا إلى أمصاركم آمنين"، فإن البلد الذي يحكمه القَتَلة والمُجرمون والسفاحون وقطاع الطرق لا مكان فيه لطرف ثالث، فإما قاتل أو مقتول. وأقصى درجات الكرم وأعلى مراتب الأخلاق لديهم أن يجهزوا لكم نعوشًا وخطاب تعزية ركيكًا من حكومة، عملها الوحيد هو رعاية وتمويل هذه العصابات المسلحة، بحجة أننا نعيش حالة هيجان ثورية علينا تقبلها واحتمالها ولو كان الثمن إزهاق أرواح الأبرياء ظلمًا وعدوانًا وتغييب مئات الآلاف في السجون الثورية وتهجير مثلهم ويزيد من ديارهم قسرًا. فنحن في حالة ثورة!

فلتذهب الثورات وترهات السياسيّين وصراعاتهم للجحيم، ما يعنينا هو (ليبيا). ولا تعنينا تلك المبررات السخيفة بأننا يجب أن نسير على خطى الثورة الفرنسية أو البلشفية وأنه لزامًا على الشعب الليبي تحمل سنـوات طـوال من فـوضى القتل والترويع وانتهاك الحـرمات والتهجـير، بل إن جرائمنا طالت حتى الأجانب وكل من وطئت قدماه هذه الأرض. فهل سيكون مصيرنا ســياجًا حديــديًا وأن تتحـول هذه البـلاد إلى قفــص للوحـوش البــشرية ينهش فيه بعضهم بعضًا ولا يدخلها إلا السفاحون والمجرمون وقطاع الطرق؟

وليس مصادفة، طبعًا، أن كل من يبرر فوضى الدم والقتل والترويع ويدعو الليبيّين أن يتخذوا من مآسي ومجازر الثورة الفرنسية نموذجًا يحتذى وطريقًا إجباريًا علينا أن نسلكه، هم أولئك الزعماء السياسيّون الآمنون والمطمئنون في فنادق العالم ولا يجرؤ أي منهم على الاقتراب من حظيرة الكائنات الميليشياوية المفترسة المسماة "ليبيا". ومن كان منهم في هذا البلــد فهم في بروج مشيدة يحــرسها المجرمون، لا يطالهم الموت ولا رصاص ومدافع ميليشياتهم.

والحقيقة أن الانفلات الأمني في ليبيا، هو مجـرد لعبة سياسية قـذرة تمارسها الأطراف اللاهثة نحو فرض سلطتها وهيمنتها على البلاد. إنه توازن مُتعمَّد للرعب، وكل طرف سياسي مدجج بالسلاح ليملي شروطه. فقد تحـوّل أمن الليبيّين وممارسة الإرهاب ضد هذا الشعب إلى مجرد ورقة سياسية رابحة، لممارسة الضغط والابتزاز السياسي على الأطراف الأخرى.

ولو شاء قادة هذه اللعبة السياسية "القذرة" السيطرة على أمن البلاد فلن يعجزوا عن ذلك في أيام. ولن نحتاج لاستنساخ مجازر ومآسي الفرنسيين أو الإسبان كما يوهمون الشعب كسبًا للوقت وخوفًا من انتفاضة عارمة تقتلعهم هم وميليشياتهم إلى الأبد، وهذا ليس ببعيد.