أعلنت الصين منذ سنوات ( وهي بالمناسبة البلد الأكثر تعدادا في الكرة الأرضية بمليار ونصف نسمة تقريبا ) أنها تخطت حاجز الأكتفاء الذاتي من القمح والأرز .. وأنها شرعت في تصدير الفائض منها .

وفي برلين عاصمة ألمانيا الموحدة ( وهي بالمناسبة أكثر الدول أنهارا في العالم بما يقرب من خمسمائة نهر ونهير ومجرى مائي ) بدأت منذ سنوات خطة لاعادة تدوير واستخدام مياه التنظيف المنزلي في الصرف الصحي .

وفي بلاد الشمس اليابان ( وهي بالمناسبة أكثر الدول عوزا للموارد والمواد الخام الطبيعية ) تجاوز الدخل السنوي للمواطن السقف الذي حددته الأمم المتحدة للرفاه .

وفي السويد ( وهي بالمناسبة أكثر مناطق العالم المأهولة صقيعا وعتمة) حقق الأنتاج الصناعي فائضا تجاوز المعدلات المستهدفة .

وفي هولندا ( ثلاثة أرباع أرضها صناعة هولندية بردم البحيران والمسطحات المائية وبناء السدود العملاقة في ظروف مناخية عاصفة ) يحقق أنتاج الحليب ومشتقاته والزهور دخلا يتجاوز ثلاثة ارباع التريليون دولار سنويا .

وفي .. هنا وهناك مئات التجارب الناجحة ( ماليزيا . جنوب كوريا . ايرلندا . البرازيل .. مثلا ) .. وأنا هنا لا أتحدث عن معجزات خارقة أو عن كائنات فضائية شاركت في صياغة تلك النجاحات الباهرة .. فالمعجزات الكونية يتم تحقيقها في واقع الأمر على هذه الرقعة الهائلة من الشقاء .. هذا الوطن الممتد من الماء الى الماء .. من الخليج الخائر الى المحيط العاثر ..

تجاوز حجم الديون الخارجية والداخلية للدول العربية ( وهي بالمناسبة منتجة فى معظمها للنفط والغاز وتحظى بموقع على ثلاث بحار ومحيطين ومناخ تتقاسمه الفصول ) خمسمائة مليار دولار.

هذا الوطن الكبير .. التاريخي .. الواسع .. الغني .. عجز رغم كل ما يمتلكه من امكانات أسطورية عن تحقيق التنمية واشاعة الديمقراطية وتحرير الأرض المحتلة هنا وهناك .. فهو كما يقول مظفر النواب ( سجونا متلاصقة , سجان يمسك بيد سجان ).

الفساد المالي والأداري في هذا الوطن الخراب من الأمور المألوفة التى لا تستدعي الدهشة , وتقلب المعايير  وتسرب العطب لمنظومة القيم صارت بمذاق الاشياء المستساغة.. دول ودويلات هذا الوطن الماساة محكومة بقوانين أستثنائية .. قبائل تتنفس هواء القرن الرابع وتنفثه في القرن الواحد والعشرين .. عقلية ريعية .. لا تبتغي سوى الغنيمة ومن بعدها الطوفان.

ذهنيات مفارقة لا تفلح الا في اعادة أنتاج البؤس..

والمتتبع لمسلسل التخريب الرهيب الذي يعصف بهذا الوطن الآن يكتشف أن الأمر يستحق هذا الدمار .. كل شئ هنا مبني على باطل .. والعربدة التى تستبد بالخريطة العربية تؤكد أن الوطن الأمة يهرول الى جذر الحضيض. ولا جدوى من النصائح والمواعظ فالدم (غطى العين) وليس سوى الزمن هو الكفيل بتعزيز الفرز بين من أوقد معركة غير واجبة ومن أوقد شمعه في هذا الليل البهيم .

 

كاتب وصحفي ليبي 
[email protected]