عبد الستار العايدي

خلاف خفي تسري ناره داخل أوصال المواقف المختلفة بين الأحزاب السياسية المساندة لتوجّه قيس سعيّد لقراره الأخير حول هيئة الانتخابات وماهية الحوار الوطني بالإضافة إلى خلافها   مع الأحزاب السياسية المعارضة له ويطفو إلى جانبه تأكيد كل من إتحاد الشغل ومنظمة الأعراف ورابطة حقوق الانسان وهيئة المحامين على رفضها المشاركة الصورية في هذا الحوار، على الضفة الأخرى تكشف اوساط مقرّبة من سعيّد أنه لا يوجد مشروع جاهز بخصوص مخرجات الحوار وان الأطراف التي ستشارك فيه هي التي ستساهم في صياغة مضامينه بمعيّة رئيس الجمهورية، مشهد سياسي مضطرب تتداخل فيه التفاصيل التي من الممكن أن تهدد النهاية الأخيرة لمسودة هذا الحوار الذي يعتبره رجع صدى لأفكار شخص واحد. 

لجنتين للإصلاحات الدستورية القانونية والإصلاحات الاقتصادية ذات الطابع الاجتماعي ولجنة الحوار الوطني، هذه الصورة النهائية من الممكن أنها لازالت تحتاج إلى رتوش في ظل غياب الأحزاب السياسية والإكتفاء بمشاركة المنظمات الوطنية التي أعلن أحدها، إتحاد الشغل، عن رفضه التام المشاركة الصورية ومنظمات أخرى تعاني من خلافات وصراعات داخلها وتباين المواقف حول المسار الجديد لقيس سعيّد وحول شكل الإصلاحات التي سيتوصل إليها أعضاء اللجنتين، فالإصلاحات الدستورية القانونية لا تزال محل نقاش الطيف السياسي عموما في تونس خاصة وأن صياغة قوانين الدستور ستخضع في جانب منها لموقف رئيس الدولة وإصراره على عدم مشاركة الأحزاب إلا المساندة منها بصورة شكلية مما يهدّد وجودها تماما أو حضورها ودورها مستقبلا داخل المشهد السياسي، هذه الإصلاحات التي ستشمل القانون الانتخابي وقوانين الحقوق والحريات وغيرها من القوانين التي ستكون العمود الفقري للصورة الجديدة والتي ستطرح خلال الاستفتاء وهذا ما يقع الآن تحت طائلة التساؤل العميق وحيرة المشاركين في لجنة الحوار الوطني فيما ستحقق هذه الإصلاحات صدى واسع لدى الشعب وخوف المعارضين من إندثار جهودهم الكثيفة لقطع الطريق أمام هذه المبادرة.

وإستنادا إلى أن الإصلاحات الدستورية ليست السبيل الناجع أو الوحيد لتجاوز الأزمة المتعاظمة التي تعيشها تونس، الأزمة الاقتصادية ، فإن الإصلاحات الاقتصادية ستكون أكثر جدلا بين المنظمات المشاركة وما إذا تم عرضها على الاستفتاء، الجدل سيكون حول جدوى هذه الإصلاحات وما ستقدمه خلافا لما قدمته ورقة إصلاحات حكومة نجلاء بودن خلال مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي والتي وجدت رفضا قطعيا سابقا من إتحاد الشغل، وكيف ستنجح هذه الإصلاحات والقوانين الجديدة في مراعاة الوضع الحالي وأمام ارتفاع نسبة التضخم المجحفة وإنهيار سعر الدينار التونسي امام العملات الأجنبية وغلاء الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية وارتفاع نسبة البطالة وتراجع نسب الاستثمار الخارجي والداخلي، فمشاريع هذه القوانين التي ستعرض على لجنة الحوار الوطني ستكون محلّ أخذ وردّ خاصة في إحترامها لموضوع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو بنود المفاوضات الاجتماعية بين الحكومة وإتحاد الشغل، كما سيطرح تساؤل آخر حول جدوى هذه القوانين التي تنظّم المسألة الاقتصادية ومن ورائها المسألة الاجتماعية في ترجيح كفة الإصلاحات الدستورية أو المشروع السياسي بأكمله لدى عموم الشعب والطيف السياسي المساند لتمشيّ قيس سعيّد.  

بين عبارات "الديمقراطية التي تنبثق من إرادة الشعب" و"الحرية الحقيقية وليست الشكلية" و"الوقوف ضد من نكّلوا وقاموا بتجويع الشعب"، لازال قيس سعيّد يراوح مواقفه السياسية مكانها والتشديد على تنفيذها وهذا سيفرض أمرا واقعا على اللجان الاستشارية خلال صياغتها الإصلاحات الجديدة في علاقة بهذه المواقف وعلى مدى إستقلاليتها عن رؤية رئيس الدولة للوضع السياسي والاقتصادي خلال هذه المرحلة الدقيقة، هذه المرحلة التي يصفها البعض بأنها عملية بناء نظام جديد، سياسي وإقتصادي" يحكم دولة جديدة او ما وصفها قيس سعيّد بـ"الجمهورية الجديدة" كذلك يصفها المخالفون بأنها عملية تفكيك للدولة وتفتيت ما وصل إليه نظام الدولة عموما طيلة عشر سنوات من التجربة والخطأ، وإستنادا إلى هذا الصراع بين الرؤى ستفرض على الإصلاحات القانونية والدستورية والاقتصادية إما أن تكون مجرد عمليات تجميل لما إعتبره سعيّد دمار وإعتمادا على المشاركين في الاستشارة الشعبية وبالتالي فإن الاستفتاء سيكون فيما بين خمس مائة ألف مواطن وسيقع تنفيذ مشروع الجمهورية الجديدة تحت طائلة أن الأغلبية لا تريد تجسيد الديمقراطية الحقيقية حسب رؤية رئيس الجمهورية، او سيكون على هذه الإصلاحات وضع هيكلية تجمع بين ما سيتم ترميمه بصفة إنتقائية من بقايا الدستور القديم وإضافة دعامات لا تسمح مرّة أخرى بتوظيف القوانين لغاية المحاصصة السياسية وتأخذ بعين الاعتبار أهمية مسألة الحقوق والحريات إنطلاقا من أن المشرفين على هذه الإصلاحات ليست لديهم إرتباطات سياسية.

لا يزال المفارقة قائمة بين ما يدعو إليه سعيّد من تأسيس نظام يستند إلى البناء القاعدي وما يجري حاليا من فكرة إسقاط لهذا النظام من طرف مجموعة صغيرة على عموم الطيف السياسي أو المجتمع بأكمله، مما سيقود إلى التساؤل عن مصير هذه القوانين الجديدة خاصة وأن الاستفتاء قد تم إقراره بناءا على نتائج إستشارة إلكترونية لم تنجز غايتها وهي الوصول إلى أكبر قطاع من الشعب، كذلك الشروط المنظّمة للاستفتاء ستكون هي الأخرى بمثابة قيود لتوجيه الآراء المتعددة حول هذه الإصلاحات وهو التساؤل الثاني حول مدى نجاحها في جمع المخالفين لقيس سعيّد والمساندين له حولها، وفي إنتظار مع ستفرزه مسودات الإصلاحات التي ستعرض على لجنة الحوار الوطني سيكون على رئيس الجمهورية إنجاح عملية التقارب بين رؤيته وبين مواقف المنظمات الوطنية حتى يتسنّى له وضع الأساس الأول لنجاح الاستفتاء حول هذه الإصلاحات.