الإنسانية ينالها التآكل , ويغطيها الصدأ عنوة ...!!

مات آخر الأنبياء ودفن .. ومات من قبله أنبياء كثر وصديقون وقديسون , ولازال الموت يقتات الأنفس الطاهرة بلذة مربكة , ويقتات الأنفس النجسة بلذة مربكة أخرى .. ولازالت الأعين تجحط وتغرورق بالدموع وأعين أخرى تنافق وتشم البصل لاستدرار دموعها إمعاناً في النفاق أو ربما إتقاناً للتمثيل وتطبيقاً لحبكة المخرج الخفي ...!!

أبناء آدم ليسوا طيبون , ولا هم أطهار ولا أبرار , وليسوا رواداً صادقون وأوفياء للرحمة ..!

قد يكون آدم " أبونا " العاقل , قد تورط في موقـفٍ لا يحسد عليه " بعدما عرف اللذة " وتزوج من " ليليث " فعلاً , وأنجب منها أخوة لنا أو أنجبنا منها , وأصبح هنالك شياطين أبالسة وشياطين آدميون " شياطين جن وشياطين أنس " , وامتهنوا وفق ما تحمل سلاسل وأغلال الــــ " DNA " , التي ورثوها أفعال الشيطنة ’ وحافظوا على مواصفاتهم والتزموا لا إرادياً بكتالوجاتهم الأصلية ..!

العقيدة تقتل وكذا الحب " لفظ سقط عمداً " ...!!!

أبناء آدم منحرفون " إلا ما نذر " ومحرفون للحقائق , وبارعون جداً في التضليل , وعمالة مؤهلة ورخيصة لممارسة الضلال وتشريعه .. ويكاد يكون أؤلئك المتشيطنون الذين اضطهدوا المسيح " عليه السلام " , وأذاقوا أمه " مريم العذراء " ويلات القهر وجرعوا " زكريا وابنه يحي / يوحنا " مرارة العيش والموت .. رواد ومبتكري أساليب حرب العقيدة بالعقيدة المضادة , ومهندسو خطط حرب ومكافحة عقائد الحقيقة الكبرى بعقائد الحقائق الصغرى المعقلنة أو المهضومة بالعادة والتآلف والمساكنة ..!!

صدقوا .. أن الحقيقة هي الفقيد الأكبر في هذه الحياة .. وثقوا .. أن الحياة دائرة مغلقة تبدأ بنقطة وتنتهي عند ذات النقطة .. والمتفوق فيها من يظل مكانه متمتعاً بجهالته أو فطريته إلي أقصى حد ..!

قديماً أقنع أحبار اليهود بالــــ" سنهدرين " في القدس الرومان وبسطاء اليهود أن المسيح جدف على الله , وأن  الكلمة الطاهرة التي ألقاها الإله برحم "مريم  " خالف شريعة " موسى " وتطاول على القيصر ,   واجترحوا بحقه من القول والفعل ما يذهل الحجر الأصم , وهتفت ورائهم الجموع آنذاك وصنعوا ما أرادوا , وعادوا مكللين بالفخار منتصرين في معركتهم , وصاحوا كالديوك على دمناتهم , وواصلوا الصيحات لعقود وأزمان وأجيال حتى بات صياحهم عقيدة متوارثة ومقدسة ومحصنة وسد ورائها ألف باب وباب ..!

كان مع المسيح أثنى عشر تلميذاً , تشتتوا بأقطار الأرض وفروا بعقيدتهم من أتون الاضطهاد اليهودي والروماني , وتحولوا إلي طرائد ضعيفة تطاردها ظلال الخوف , وتدل عليهم أصابع الليل , وتشي بهم غــمازات الشمس في الصباح ..!

ما كان لحواريو المسيح رفع أعباء العقيدة والتبشير لولا عناية الله وفتحه , فقد كان الحواريون بسطاء وغرباء , لا سبيل لهم ولا قدرة على مواجهة اضطهاد أحبار اليهود , فقد كانوا (أناس الطريق) كما وصفهم أعدائهم اليهود الفريسيون , ولم يكن أمامهم سوى الفرار  ومغادرة " القدس " طلباً للنجاة بأبدانهم من العذابات والصلب والقتل .. !!

الانتقال الرهيب من عداء المسيحيين ومطاردتهم ورجمهم إلي مناصرتهم ورفع عقيدتهم الذي حدث مع " شاؤول الطرسوسي  / بولس  " أحدث تغيير كبير في المسيحية , وأمدها بزخم استثنائي ونشرها وسط أمم أخرى بعدما كانت حبيسة اليهود , وجعلها عبر رسائله منهج لعقيدة المسيح سرعان ما تطور , واستقطب الأنصار والأتباع من بقاع الدنيا , وتحولت أقوال المسيح ووصاياه إلي قراطيس تتناقلها الأيدي ويهتف بها دعاة المسيحية في المدائن وقرى الأرياف ..!!

هتاف الدعوة للمسيحية كان خافتاً , ويعبر الأنفس همساً وفي الخفاء خوفاً من الاضطهاد اليهودي والاضطهاد الروماني , فأوائل المسيحيون ظلوا طوال قرون ضحايا للاضطهاد والعداء , فكان اليهود جميعاً أعداء معتقد وشريعة , وكان الرومان أعداء معتقد وسلطة , فوقع المسيح وتلاميذه ضحايا للعداء اليهودي , وظل أتباع المسيحية ضحايا وطرائد للرومان , فاتهمهم الإمبراطور " نيرون " بإحراق روما " 97 م " , وعذبهم وزج بهم في الحلبات بعدما ألبسوا  جلود الحيوانات لتمزقهم الأسود والكلاب , وطاردهم الإمبراطور " تراجان " وأمر بقتلهم وإعدامهم بطرق وأساليب وحشية ...!!

البواعث الفكرية لما نال المسيحيون من اضطهاد وتشريد وإعدامات جماعية وحرق وتقديمهم كقرابين للآلهة الرومانية الوثنية , كان ورائها فكر إقصائي مشوه مدعم بالعنف ومشدوداً إلي نزعات معتقدية مصلدة ضد النقض أو التصحيح أو الانفتاح , وممتهنو العنف من سلطويي الشرائع أو الحكام درجوا على ازدراء المجددين  واتخذوا من عقائدهم الموروثة وسائل ترسيخ لمبادئهم ومنطلقات أساسية لأفعالهم الموسومة بالعنف , فاكتست أزمان طويلة عقب ظهور المسيح بحملة أنماط مزامنة من الداعشلوجيا ووجهوها باسم العقيدة الموروثة إلي رواد التغيير في زمانهم ومكانهم ...! ’

ظلت عقيدة المسيح مطاردة ومشردة طيلة ثلاثة قرون , وحينما صدر مرسوم "ميلانو – 313 م ".. واعتنق الإمبراطور الروماني " قسطنطين " المسيحية وجعل السلطات الرومانية تتعامل بحياد مع شؤون العبادة , أتيحت للمسيحية وأتباعها فرصة العلن والترسخ كعقيدة بديلة للوثنية التي سادت إمبراطورية الرومان , إلا أن المسيحية لم تنل حظاً ولم تجد سبيلاً في الأوساط اليهودية .بل ظلت مطاردة بالنمط الداعشلوجي اليهودي , وملعونة من قبل أعداء المسيح الأوائل , واستطاعت المسيحية أن تقهر الوثنية وتقصيها , وتصبح الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية في عهد (ثاوذو سيوس) , والتحمت مذ ذاك العهد بسلطات الحكم وصارت مكملة لها وأداة سياسية بيدها ,  وقد أقيمت كنيسة القيامة في القدس  و كنيسة " آجيا صوفيا "في القسطنطينية بأمر السلطات التي حاكمت المسيح / عليه السلام ...!!

تعملق المسيحية وسطوعها لم يفلح في القضاء على اليهودية , وبرغم الاضطهاد الذي نال المسيح وأتباع عقيدته من اليهود على مر أزمان , لم تحدث معارك أو نزاعات شرائعية تحت رايات مسيحية ضد أتباع اليهودية , ولكن ظهور الإسلام في شبه جزيرة العرب ونبوة عربي من نسل "إسماعيل بن إبراهيم " لم يرق لليهود , ولم يرق للمسيحيين , واتخذ التصحيح للشرائع سبيلاً مختلفاً , وجابهه دواعش مصلدين بالشرائع السابقة بعد العبث بها وتطويعها ...!!

ظهور الإسلام ومواجهته العلنية والسريعة من قبل عبدة الأصنام , وتعرض النبي " محمد / عليه السلام " للأذى والتهجير ومقاتلته وأتباعه في معارك محشوة بالجاهلية والسلطوية , مثلت مفتتح لصدامات عميقة من قبل أعداء متنوعين ومتقاربين أو متوافقين في داعشلوجيتهم المظلمة , وإن اختلفت ذرائعهم أو عقائدهم أو ألسنتهم وأمكنتهم وانتماءاتهم ...!!

إن أوضح صورة وأكثر حالات الداعشلوجيا تجلي التي واجهها أتباع الإسلام تمثلت في حقبة محاكم التفتيش الإسبانية في القرن السادس عشر , وكان البكاء المخزي لـــــــ " أبو عبدالله الصغير " بعدما سلم غرناطة للقشتاليين " 1492 م " صافرة البداية لإطلاق أيدي  الداعشلوجيين المسيحيين , لتبتكر وترتكب أشنع المجازر , وتوطن لمسيرة إذلال مريعة تحت ذرائع العقيدة وتحت مسمى الحرب المقدسة ومباركة البابا  وزعامة الملكيين القشتاليين "   فرناندو  وايزابيلا " , وقد كانت خسارة المسلمين لحكم الممالك الأندلسية بداية خروج الإسلام الحقيقية من إسبانيا ..!!

كانت أكاذيب التسامح والاحترام تتلاشى يوماً بعد يوم أمام واقع يواجهها بالبغض والازدراء وبميراث كبير من الكراهية والمناقضة , وكان مسلمو إسبانيا يتحركون باتجاه الفناء بسلاسة مريبة , فازدادت ضغوط وإملاءات الفئة الغالبة , وأضحوا طرائد ضعيفة لمحاكم التفتيش التي أُقيمت في القرن الثاني عشر  بأمر الكنيسة الكاثوليكية  ووجهت ضد " الكاثاريين "  وطالت بأمر الملكة " إزابيلا-  1477م " اليهود المتحولين إلي المسيحية طمعاً في أموالهم ’ والتي صارت غنائم وأملاك تابعة للكنيسة الكاثوليكية بعدما تحولت إسبانيا إلي مملكة دينية مسيحية كاثوليكية , لسلطات الكنيسة اليد الطولى والأمر الأول والفصل في كل أمر ٍ   وحين  ...!!!

انتهت الكنيسة الكاثوليكية ورهبانها من اليهود المتحولين إلي المسيحية , وبدأت حملتها الأكبر والأشنع ضد المسلمين , فشرعت في تضييق الخناق عليهم وأصدر  الملك الكاثوليكي مرسوماً يقضي بإجبار المسلمين على التنصر  ,  وبدأت بأسلوب دراماتيكي تنمو ثقافة العداء المفخخة بالألفاظ والأوصاف المهينة والمحبطة , فوصف المسيحيون وأبنائهم الذين اعتنقوا الإسلام بالـــ " علوج " , وأصبح جموع المسلمين الذين انضموا تحت الألوية النصرانية وحافظوا على شرائعهم يسمون "  بالمدجنين " , وقد منعوا من تداول اللغة العربية وأحرقت كتبهم ومكتباتهم , وفرضت عليهم في مملكة قشتالة الإقامة  بأحياء خاصة وارتداء ملابس تحمل علامات مميزة ,  وألغيت تراخيص حمل السلاح التي بحوزتهم ,  ومـُـنع مدجنو غرناطة من حق شراء الأراضي  بسهولها , واستمر ت المواجهة صماء بين مملكة إسبانيا الكاثوليكية وبين من  كانوا مسلمين وصاروا مدجنين ثم موريسكيين . ..!!

المسيحية التي عانت الاضطهاد وظل أتباعها الأوائل مطاردون من حملة مناهج الداعشلوجيا من أتباع روما الوثنية ومن أتباع " السنهدرين " اليــهود , استطاعت خلال قرون إفراز  داعشلوجيون مسيحيون , جعلوا من عقيدتهم وكنيستهم وصليبهم وسائل إذلال وتشريد لمعتنقي عقيدة " محمد / عليه السلام " التي جاءت لتصحح ما اقترفوا من أخطاء بحق شريعة المسيح ..!!

دائرة الحياة المقفلة تتناظر فيها المحطات وتتوافق فيها النقاط وتتقارب علي محيطها الأحداث .. واختلافات التفاصيل أو العلل يعبر عن تجسيد متزامن مع واقعه لأفكار أو رؤى أصيلة , قد تكون أسسها أو مساربها وإشراقاتها متمكنة من طبيعة الإنسان أو متداخلة فيه منذ البدء ..!!

كاتب ليبي 

 

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سيلسة البوابة