تعلم الكثير من أبناء جيل الستينات بمختلف أنحاء الوطن العربى من أفلام العصر الذهبى للسينما المصرية و التى كان لها تأثير كبير فى نفوس العديد من أبناء الوطن العربى الواحد فى فترة الصحوة العربية و هو الزمن الذى لقب بأسم زمن الفن الجميل، و بالفعل كانت سبب أرثاء الرقى و التحضر لدى عموم المواطنين، الى أن تدهور الحال و باتت هناك حالة واضحة من التردي الاخلاقى و كان الفن أيضا حاضرا و سبب رئيسي فيها بجانب عوامل اخرى للوصول الى تلك الحالة و الظواهر الاخلاقية السلبية المتفشية فى الشارع العربى، الى أن طل علينا نوع أخر من الافلام مع بداية الالفية الجديدة و كانت فى تلك المرة لم تأتى الافلام من القاهرة أو بيروت بل من قندهار و توربورا و هى الافلام التى تصدر بطولتها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة و أيمن الظواهرى الرجل الثانى فى التنظيم سابقا و الاول حاليا بعد مقتل بن لادن، و هى الافلام التى كانت تصور بكاميرا واحدة مثبتة، لكى تنقل لنا مشاهدة جميعها واحدة متشابهة متكررة الى حد كبير تحمل كلها تهديدات و توعد للولايات المتحدة و أوربا و روسيا و الصين و العرب و البشرية جمعاء .

و منذ اسابيع قليلة ظهر لدينا نوعا جديد من الافلام تحت رعاية تنظيم دولة الخلافة الاسلامية بالعراق و الشام المعروف بأسم تنظيم داعش لاعدام رهائن أجانب، و أستقبله المشاهد العادى بقدر من الذعر يتناسب مع حجم و تصوير تلك المشاهد، الى أن ظهر فيديو أخر هو الابشع فى تاريخ الارهاب المعاصر، حينما ظهر فيديو عالى التقنية و ذو جود تصوير فائقة تميل الى التصوير الدرامتيكي، مستخدما مؤثرات صوتية و كاميرات متعددة و منها المتحرك و الثابت فى فيلم يعكس لنا أفكار و نهج تنظيم داعش و الرسائل التى ينوى توجيها سواء لبعض الدول العربية بعينها، أو لرفاق الضحية، أو لكل بذرة أرهابية متحيرة فى أمرها و لا تعرف أين تتجه، بجانب الرسائل التى ستنعكس مباشرة على الرأى العام سواء لدى شعوب المنطقة أو العالم أجمع، و هو فيلم حرق الشهيد معاذ الكساسبة الطيار الاردنى . و جائت أبرز الرسائل الموجهه من فيديو حرق الطيار الاردنى كالتالى :
 
 أولا الجميع لاحظ التقنية العالية فى التصوير التى أستخدمت فى فيلم درامتيكي جائت به كل عناصر تصوير السيناريو المعد منذ بداية دخول الشهيد معاذ الكساسبة الى مكان اعدامه و حتى لحظة حرقه .

ثانيا تعمد أظهار العناصر الارهابية لدى تنظيم داعش فى مظهر القوى و اليقظة و التسلح العالى و الثبات، و هو الاسلوب المتبع فى أستعراضات داعش العسكرية دائما .

ثالثا الطريقة البشعة التى أعدام بها الشهيد معاذ الكساسبة مع أظهار بعض الفيديوهات القديمة لمعاذ و زملائه الطيارين، و بعض المعلومات التى يبدو أنها جائت من لسان معاذ نفسه و تم استخدامه من قبل داعش كترويج لها بأن التنظيم مخترق الجيش الاردنى و يملك معلومات هامه عنه .

رابعا أستخدام الفيديو فى شكل دعائى للتنظيم للتواصل مع الشباب حديثي السن و الذى أنضم منهم العديد من جميع أنحاء الدول العربية و الاسلامية الى تنظيم داعش بعد أن شق الرحال تجاه سوريا و العراق . و لمن سيهون من تلك النقطة بأن هناك أناس قد تنضم الى ذلك التنظيم الشيطانى، فعليه أن يتذكر أعضاء جماعة الاخوان المسلمون الذين رفعو نفس راية داعش أثناء أعتصام رابعة المسلح، و أن يتذكر رابطة مشجعي نادى النجم الساحلى التونسى الذين رفعو قمصان عليها صور أبو بكر البغدادى زعيم تنظيم داعش، و رابطة مشجعى نادى الرجاء البيضاوى المغربى الذين رفعو لافتة بعرض مدرجات الدرجة الثالثة تأييدا لدولة الخلافة الاسلامية، بجانب العديد من الافراد الذين يميلو للاسلام السياسى الذين أعلنو تأييدهم لتنظيم داعش فى العلن حتى بعد الجرائم المتعددة التى ارتكبها فى العراق و سوريا و بعد مقتل الشهيد معاذ الكساسبة .

خامسا اللعب على وتر الحرب النفسية، و الحرب النفسية جزء هام جدا فى جميع الاحداث التى مرت بالمنطقة منذ قدوم عواصف الربيع العبري ببداية عام 2011م، و التى باتت التنظيمات المتطرفة تلعب بذلك الكارت بحرفية شديدة و على نهج أجهزة الاستخبارات العالمية .

حقيقة الامر هناك العديد من الاحداث التى كانت سبب فى حدوث حالة صدام فكرى على مدار تاريخ أى امة، فهل المشهد المؤلم و المحزن لحرق الشهيد معاذ الكساسبة سيكون بداية الصدام الحقيقي للفكر المستنير و أفكار العصور الوسطى، هل يكون مشهد أحراق الكساسبة الذى أحرق قلوبنا جميعا يفتح باب معركة جديدة بين الاسلام المعتدل و بين أسلام أحفاد حسن البنا، نعم جماعة الاخوان المسلمون و مؤسسها حسن البنا، الجماعة الشيطانية التى مثلت العباءة الواسعة التى خرجت منها بعد ذلك جميع الجماعات و التنظيمات الارهابية حتى يومنا هذا و التى تولد كل يوم من رحم أفكار تلك الجماعة .

لقد تكلمنا كثيرا عن ماهية داعش و هدف ذرعها فى المنطقة و أفكارها الشيطانية و بحثنا و تكلمنا كثيرا عن مصادرها فى الاموال و السلاح حتى تفاجئى الجميع من هول المعلومات الذى قدمناها عنهم و لكن الايام القادمة ستشهد مفاجئات أشد بخصوص الشكل الفنى التى تحمله داعش و حقيقة من وراء تصوير مقتل الشهيد معاذ الكساسبة و من المخرج الحقيقى لجماعة داعش من خلف الستار أو من وراء كاميرات تصويرها حتى تكتمل لدى المواطنين جميع أضلاع المؤامرة .

 

الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]