إن الاقتصاد المعرفي يعني إحداث تغيير جوهري ملموس في بنيه بيئات ونظم العمل داخل الاقتصاد نفسه‏، وبعبارة أخرى فهو يعني إعادة هندسة أساليب الأداء وطرق التفكير التي تحكم المؤسسات الاقتصادية ذاتها لتتهيأ للعمل القائم علي المعلومات بما يعنيه ذلك من تطبيق حقيقي للعديد من الفلسفات والأساليب الادارية، وفي المقابل فإن هذا النوع من الاقتصاد سيشهد معه إنتهاء عهد استمرار الفرد في عمل واحد لدى شركة أو مؤسسة واحدة طيلة حياته العملية، بل سنجد أن الكثيرين سيضطرون لتغيير وظائفهم ومهنهم وأماكن عملهم بشكل مستمر كل ثلاث أو خمس سنوات، ومن المتوقع أن يزداد عدد المتعلمين الكبار أكثر من أي وقت مضى، ففي ظل عصر المعرفة ستكون الحاجة للتربية والتعلم المستمرين متطلبات جوهرية للحفاظ على قدرة الفرد على البقاء في الوظيفة، ولا يعني هذا أن التعليم في المدارس الثانوية أو الجامعات سينتهي، ولكنه سيكون متطلباً أساسياً ومستمراً أثناء حياة الإنسان العملية كلها. 

لقد حدد البنك الدولى أربع ركائز اساسية يقوم عليها إقتصاد المعرفة وهي : البنية الاساسيه لمجتمع المعلومات /الإطار الاقتصادي والمؤسسي / نظم الإبداع / نظم التعليم  ، وبالتالي فإن هذا النوع من الاقتصاد يمتاز بعدد من الخصائص نوجزها في الاتي:

1-      تُمثل المعرفة رأس المال الخاص بهذا الاقتصاد، وتتميز بأنّها لا تُحتكر، ولا تقلّ، ولا تَنفَذ.

2-      من طبيعة الاقتصاد المادي أنه يشهد إنكماشاً وتقلصاً، وإذا كان الثورتين الثانية والثالثة قد إتسمتا بتجميع الملكيات ورأس المال المادي فإن اقتصاد المعرفة هو اقتصاد اللاوزن واللاحجم، بل تتمثَّل أصوله الأساسية في الأصول المعرفية الغير مادية، لذا يمكن القول أنه اقتصاد اللاملموسات القائم على رأس المال المعرفي بالدرجة الأولى.

3-      تهتمُّ المعرفة بالعولمة، والتكيف مع رغبات الزبائن، والتركيز على تقديم الخدمات للمستهلكين.

4-      تعتمد المعرفة على إستخدام قوى عاملة تتميّز بالقدرة على الإنتاج، ويعزز من سعي الشركات إلى زيادة سرعة العمل للوصول إلى دورة حياة منتج أقصر فأقصر بصورة متواصلة بسبب التسارع الكبير في الابتكارات التقنية.

5-      نظراً إلى أن العمليات الإنتاجية والأجهزة والسلع والخدمات تتقادم بسرعة في البيئة ذات الوسط الإلكتروني، فإن الملكية الطويلة الأمد تصبح أقل قبولاً، فيما يصبح النفاذ القصير الأمد (أي الحصول على السلعة أو الخدمة لفترة قصيرة) خياراً أكثر تفصيلاً.

6-      يتميز الاقتصاد المبني على المعلومات باعتماده على فريق العمل، لأن المنتجات الجديدة تنتقل من المصممين إلى المنتجين ثم إلى الموزعين وأخيراً إلى المستهلكين ، وهؤلاء جميعاً يشكلون فريق عمل واحداً، وإن كان متباعداً وموزعاً في أرجاء كوكب الأرض.

7-      تشكّل الاتصالات والمعلومات الأداة الرئيسيّة لتحقيق فاعلية المعرفة.

8-      تُساعد المعرفة على رفع نصيب الفرد من الناتج الإجماليّ الوطنيّNDP.

9-      الكلفة: في اقتصاد المعرفة تكون التكلفة الثابتة لإنتاج النسخة الأولى من المنتج المعرفي عالية، ولكن التكلفة الحدية لإعادة إنتاج النسخ الإضافية تكون عادة منخفضة جداً أو أقرب إلى الصفر. وهذه السمة الجديدة تقلِّل من أهمية مفهوم "الحجم الأمثل" للإنتاج ،  إذ أنه صار بالإمكان إنتاج أي حجم لاحق على النسخة الأولى من السلعة ذات الكثافة المعرفية مهما كان كبيراً، ونظرياً إلى ما لا نهاية بسبب تضاؤل كلفة الإنتاج إلى الحدود الدنيا، با ان نجاح الشركة في دخول السوق قبل غيرها يمكِّنها من تحديد الأسعار العالية والحصول على هوامش الربح، بل أن البقاء في صدارة المنافسة لأشهر قليلة فقط يعني الكثير جداً بالنسبة إلى الشركة، إنه بمنزلة الفارق بين النجاح والفشل. فكلما زادت سرعة طرح السلعة في السوق، طال عمر هذه السلعة. وعن طريق خفض فترة البحث والتطوير، تطيل الشركة فترة بقاء السلعة في السوق، الأمر الذي يسمح للشركة بأن تسترد استثمارها بسرعة وأن تحقق الربح الكافي قبل أن تصبح السلعة قديمة

10-  تُوفّر المعرفة بيئة تُحفّز المواهب والإبداع.

11-  الملكية : لقد كانت الملكية المادية من أراض وعقارات وأصول مادية مختلفة ولا تزال هي السمة السائدة في الاقتصاد التقليدي،  أما في هذا النوع من الاقتصاد فقد صارت الملكية الفردية هي محور الاقتصاد القائم على المعرفة.

12-  بعكس الملكية المادية ، فانه  فيما يخص الملكية الفكرية فهناك صعوبات كثيرة في تحديدها وتوثيقها ومن ثم حمايتها، وترجع الصعوبة اإلى منتجات صناعة المعلومات ،و إلى كون تكنولوجيا المعلومات قد وفَّرت إمكانات هائلة للنسخ والإرسال والتحويل والتحوير بعد غير محدود خصوصاً عبر شبكة الإنترنت، فقد اصبحت فكرة الملكية الخالصة خلال بحكم خصوصيتها وطبيعتها المحافظة فكرة قديمة بطيئة التكيُّف مع ثقافة السرعة الفائقة التي يتسم بها الاقتصاد الجديد.

13-  إن سرعة الابتكار والتقدم المذهل في النشاط الاقتصادي، ودورات حياة المنتج المتزايدة القصر يؤدي إلى تضاؤل معنى الامتلاك والحيازة والمراكمة ، ولذا فثمة ميل متزايد اليوم للانتقال من نظام الامتلاك القائم على فكرة الملكية بمفهومها التقليدي إلى نظام النفاذ Access القائم على فكرة الاستخدام .

14-   ترتب على ذلك أن عدد كبير من الشركات تسعى اليوم لتجنب مراكمة رأس المال المادي، وذلك انطلاقاً من فكرة أن الملكية المادية الكبيرة الحجم تعيق حركة الشركة وقدرتها على التكيُّف مع متطلبات السوق العصرية وتقلباتها، وتسمى هذه السياسة بأسم :"استخدمه من دون أن تملكه".

15-  الاستعانة بمصادر خارجية : والتي تعني ابرام  اتفاقية تعاقد مع طرف آخر لتنفيذ وظائف أو خدمات كانت تنفذ سابقاً داخل الشركة نفسها. وبمعنى آخر، إن الاستعانة بمصادر خارجية تعني الاستعاضة عن الملكية الداخلية للعمليات وراس المال المادي باللجوء إلى موارد وعمليات مطلوبة من شركات أخرى.

متطلبات إقتصاد المعرفة

كما أشرت أعلاه فإن اقتصاد المعرفة يتطلب بالضرورة مواكبة سرعه تطور التكنولوجيا الحديثة ، وان مخرجاته ستكون ذات أثرين محلي وعالمي ، لذا فمن البديهي فإن اقتصاد المعرفة يحتاج لدولة مستقرة تستعين بخبرات عالية لوضعه ضمن استراتيجية وطنية شاملة ، او ضمن خطة تنموية واقعية ، مع الاخذ في الاعتبار أن نتائج هذا الاقتصاد ستظهر في المدى المتوسط وليس القريب ، وفي المجمل فان اقتصاد المعرفة يتطلب مايلي  :

1-      إدراك المسؤولين والمستثمرين لأهمّيّة اقتصاد المعرفة بضرورة توفير بنية اتصالات وتكنولوجيا معلومات من أجل المساهمة في بناء مجتمع معلوماتيّ.

2-      إعادة هيكلة الإنفاق العام وترشيده وإجراء زيادة حاسمة في الإنفاق المخصص لتعزيز العلم والمعرفة عبر جميع المراحل من المدرسة الابتدائية وصولاً إلى التعليم الجامعي, مع التركيز على مركز للبحث العلمي.

3-      ضرورة العمل على خلق وتطوير رأس المال البشري بنوعية عالية، أي بمعنى أن تخلق الدولة المناخ المناسب للمعرفة وتنوع حزم البرامج والخطط التعليمية والتدريبية مع الحرص على بناء منظومة فعّالة للتكنولوجيا والعلم لدعم انتشار الثقافة الاجتماعيّة التي تُشجّع على الابتكار والإبداع وتدعم البحث والتطوير؛ عن طريق توفير بيئة تفاعليّة تشجّع الإنسان على إنتاج المعرفة.

4-      يجب أن تعي كل الحكومات والمستثمرين والشركات أهمية اقتصاد المعرفة ، وانه عالمي وليس محلي حتى وان أظهر نتائج جيدة خارج حدود الدولة فقط ، فوجب والبحث عن المعرفة غير المتوفرة وتطوير القوانين المستخدمة لتتناسب مع اقتصاد المعرفة، وتأسيس وتطوير رأس المال البشريّ من خلال توفير الدول للمناخ المُساعد للمعرفة حتى تصبح أهمّ عنصر إنتاجيّ.

الاراء المشنورة ملزمة للكاتب و  لا تعبر عن سياسة البوابة