الأزمة الليبية , الفوضى الليبية , المسألة الليبية , أو سمها ما شئت , تدخل الشهر المقبل عامها الخامس مدججة برصيد هائل من الدماء , والنوايا المفخخة بالأحقاد والثأرات , فضلا عن الأستبسال  في التمسك  ( بما يعتبره كل طرف ) حقوقه ومصالحه .. وهي حقوق ومصالح ترتبت أصلا على الأحداث وانعكاساتها بما يستوجب معالجتها خارج هذا التوصيف .

الفاعلون المحليون في الشأن الليبي لم يتخطوا بعد أضلاع المربع الأول , تتجاذبهم وهم يغوصون فى أوحال الحفر والمستنقعات التى أنتجها الزلزال  , كفتان , فالفاعل الأجنبى ( تركيا وقطر والسودان في كفة , ومصر والجزائر والأمم المتحدة في كفة أخرى ) يحاول  العثور على طريقة لتجاوز ذلك المربع , فالفريق الأول  يوقد مراجل العنف جهارا نهارا, دفاعا عن ما يعتبرها مصالحه ,  والفريق الثاني يسعى لتأثيث المناخ  لبدء عملية واسعة تقود الى مصالحة حقيقية تستجيب لرأى الشعب الذي عبر عنه فى الأنتخابات . وهو ما يعتبره هذا الفريق ينسجم مع مصالحه .

رتبت الأمم المتحدة لقائين للأطراف المتصارعة ( مجلس النواب المنتخب والذي يحظى بأعتراف دولي  مقابل المؤتمر الوطني المنتهية ولايته والذي لا يحظى بأعتراف أحد ) في غدامس 29 سبتمبر 2014 والثاني في طرابلس 21 أكتوبر من نفس العام . وكانت النتيجة المزيد من العنف وتوسع رقعة الأشتباكات . وجاء الحكم (( المثير للجدل )) الذي أصدرته الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في السادس من نوفمبر بمثابة  صب البنزين المشبع بالرصاص على الحرائق التى تتناسل .

دول الجوار ( مصر والجزائر وتونس والنيجر والسودان وتشاد ) لجأت تحت وطأة التهديد بأنتقال النار الى حدودها وداخلها  الى تأسيس مجموعة أزمة جرت أجتماعاتها في الجزائر 27/28 مايو 2014  وفي مالايو 26/27 يونيو 2014 . والحمامات بتونس  في 14 يوليو 2014 . وفي القاهرة 25 أغسطس 2014. وكانت فى جميع هذه الأجتماعات تعيد أستعراض نفس المسائل بما يستجد عليها من تحولات على الأرض .. وكانت الجزائر الأكثر ميلا في أقترابها من الخنادق الليبية للملف الأمني ( قدمت مبادرة لجمع كل الأطراف وهو ما يبدو الذي عجل فى أختناقها )   فيما تركت  الملف السياسي للمعالجة المصرية  وهو ما أنعكس فى تصريحات القيادة المصرية والأهتمام الذي أظهره الرئيس السيسي في زياراته الخارجية .

الفاعل الفرنسي ( المستعمر السابق للدول المجاورة لليبيا فى الشرق والجنوب ) كان الأكثر ميلا للتدخل الدولى لولا أصطدامه بالرفض الجزائري وهو ما أدى الى تراجعه ( مؤقتا على الأقل ) خاصة بعد الأتفاق الذي تم فى سبتمبر الماضي  بين جماعات التبو المتحالفة مع عملية الكرامة وبين قبائل الطوارق الرافضة للتدخل الفرنسي فى منطقة الساحل . وهو ما دفعها لاقامة قاعدة عسكرية متقدمة فى منطقة ( ميداما ) على الحدود بين ليبيا والنيجر كأجراء أحترازي  لمنع تسلل المقاتلين عبر المنطقة. وأعادة خلط الأوراق في هذه الرقعة الهشة .

مجموعة دول الساحل والصحراء التى أسستها ليبيا كقاعدة لهرم الأتحاد الأفريقي ( الذي سعت ليبيا أيضا بدور محوري فى قيامه ) _ بوركينا فاسو , موريتانيا , مالي , النيجر , تشاد , دعت فى أجتماع قمة فى نواكشوط ديسمبر 2014  الأتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لبناء قوة عسكرية للتدخل وأجبار الأطراف على الجلوس للحوار .

الامريكيون لا يحملون الملف الليبي على محمل الجد , ويعتبرون أن الوقت مازال مبكرا للتقدم بمبادرات . فمصالحهم ليست مهددة بعد أتفاقهم مع فعاليات مصراته على حمايتها , فضلا عن أستمرارها في الأعتقاد بأن جماعة الأخوان المسلمين ( رغم  الرفض الشعبي الجارف ) هم الأكثر تأهيلا لادارة البلاد.

أوروبا , وتحديدا ايطاليا وفرنسا وأسبانيا , تدرك أن ثمة أفعى جريحة جنوب سواحلها , لكنها لا تفعل أبعد من ذلك .. تراقب بلا ريب وتتوجس لا أكثر وربما لا أقل  .

أمميا , مازالت ليبيا تحت الفصل السابع . وهو ما يجعل الباب مفتوحا ( متى أراد الكبار ذلك )  للتدخل العسكري , خاصة مع رفض تسليح الجيش الليبي المنضوي تحت الشرعية , رغم مناشدات مجلس النواب المعترف به دوليا وحكومته , مقابل تدفق السلاح والمقاتلين والتمويل المالي  لخنادق المليشيات الجهوية والمؤدلجة  .

والسؤال الآن : ماذا سيضيف حوار جنيف ؟ وما الذي سوف يفرزه  واقع ردود الفعل التى تواترت قبل وأثناء الأنعقاد .؟ كيف يمكن فهم أن يلتقى الليبيون عبر وسيط دولي وليس مباشرة .؟ وما هي الأوراق التى يمتلكها كل طرف على مائدة الحوار عبر الأممي ,وما هو دور الأمم المتحدة .؟ وما هو دور الطرف الأقليمي , والطرف الممول لجماعات مناوئة للحكومة .؟ ما هي الترتيبات التى سوف تنكعس على فشل الحوار .؟ وهل سترفع أوروبا كما هددت يدها أذا (( أهدرت ليبيا ) فرصة جنيف .؟ هل ستنسحب بعثة الأمم المتحدة من اللعبة وترك الليبيين للضباب.؟

العناوين الرئيسة للحل , والتى لن يختلف عليها أثنان من العقلاء تكمن وتحديدا فى :

·       اعلان العفو العام ( الا على الذين تلطخت أياديهم بالدماء . ولصوص المال العام ) .

·       الغاء قانون العزل السياسي .

·       المصالحة الوطنية  الشاملة .

·       أقرار دستور توافقى يسمح بتعديله دون المساس بالحريات العامة فى خلال عشرة سنوات .

·       الأتفاق على حكومة  وطنية غير مؤدلجة .

·       تخصيص 25% من الميزانية كل سنة للتعليم .

·       تشكيل الجيش الوطني على أسس أحترافية ووطنية , ويؤسس دستوريا ابتعاده عن ممارسة السياسة

·       بناء قوة أمنية ( الشرطة وأجهزة الأمن ) على نفس النسق  .

بغير ذلك سنظل وأحداقنا مغمضة , نحفر نفس البحر .. الدموي , ونصرخ , ولا مجيب سوى الصدى والأنين ..

Mahmoud Albosifi
[email protected]