مصطفى حفيظ

لم يصدّق أحد أن تخرج لويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال اليساري التروتسكي في الجزائر، من السجن بتهمة التآمر على الجيش وسلطة الدولة، بريئة، ثم تستأنف حياتها السياسية من جديد، وبقوة، بعد نجاحها في قهر معارضيها داخل الحزب، والآن، وبعد انتقادات للسلطة خلال الانتخابات الرئاسية في 2019، التي قالت بشأنها أنها مفروضة على الشعب، ثم مقاطعتها للانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران الماضي، والتي اعتبرتها محسومة قبل موعدها، ومؤخرا وجّهت انتقادات للسلطة على خلفية الاعتقالات في صفوف ناشطين سياسيين وصحفيين، لكن لماذا عادت حنون للمناورة من جديد، بين معارضتها الشرسة للسلطة وإعلان حزبها المشاركة في انتخابات المجالس المحلية في تشرين الثاني/نوفمبر القادم؟ 

معروف عن حزب العمال، وهو أحد أحزاب اليسار في الجزائر، وقوفه الدائم في معارضة، بل يمكن وصفه بالحزب المعارض على الدوام، بحكم مبادئه اليسارية التروتسكية القائمة على مناصرة الحركات العمالية، لكن الحزب الذي تأسس في 1990 بعد اعلان التعددية الحزبية في الجزائر، وتقوده الامينة العامة لويزة حنون (ما تزال على رأس القيادة حتى اليوم)، لا تفهم مواقفه أحيانا، فهو من جهة ينتقد السلطة بشدّة ويعارض بعض الاستحقاقات، ويقدم تبريرات تصل لحد التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية برمّتها واعلانه عدم ثقته في السلطة التي تنظّمها، ثم يعود من جديد ويعلن مشاركته في انتخابات أخرى تنظمها نفس السلطة التي سبق له انتقادها. لذلك، يصعب فهم العقلية السياسية التي تفكّر بها زعيمة الحزب، لويزة حنون، المعروفة بكونها أول امرأة سياسية متحزّبة تترشح للانتخابات في الجزائر (في سنة 2009-2014)، وأول امرأة عربية تترشح لذات المنصب، حتى أن الرئيس الراحل بوتفليقة قال عنها يوما بأنها قادرة على تحمل المسؤولية بعده.

مع ذلك، لم يسبق أن وصلت امرأة إلى رئاسة الجزائر، غير أن حنون، الاشتراكية، وبرغم عدم قدرتها على منافسة بوتفليقة آنذاك، فهي لم تكف يوما عن معارضتها الشديدة لسياساته، مع أن البعض روّج إلى علاقة جيدة كانت تجمعها بالرئيس، أو بعبارة أخرى، وصفها معارضون لها بكونها كانت متواطئة معه بشكل ما، وبأنها كانت تلعب دور "أرنب انتخابات" في فترات كانت نتائج الانتخابات محسومة لصالح بوتفليقة، برأيهم. بالرغم من ذلك، استطاعت زعيمة حزب العمال ترك بصمتها في الحياة السياسية في الجزائر برغم بعض النكسات التي تعرّضت لها، كسجنها ومحاولة الانقلاب عليها. 

المواجهات بين حنون والاسلاميين

لا يمكن ذكر حزب العمال في الجزائر دون ذكر معه لويزة حنون، لكونها المرأة الوحيدة في مجال السياسة التي توصف بالمثيرة للجدل، فهي لا تنتقد السلطة فقط، بل تنتقد حتى خصومها من التشكيلات السياسية الأخرى، فكثيرا ما اثارت خطاباتها موجة سخط وسط الأحزاب، خاصة الإسلاميين، فهي لا تكفّ عن انتقاد خطابهم ونفاقهم السياسي، آخرها محاولاتهم ركوب الحراك الشعبي وتعبئته لصالح أجنداتهم السياسية، وأيضا، تتههم باستعمال الدين لأغراض سياسية، فضلا عن مهاجمتها لقانون الاسرة الذي تراه مجحفا في حق المرأة وسبق أن طالبت بإلغائه، لكونها حسبها قانونا ظالما للمرأة الجزائرية أو "أكبر عنف مسلط على المرأة الجزائرية" على حدّ قولها.

وكثيرا ما حدث صراع بين حزب العمال والإسلاميين، خاصة حركة حمس وجبهة العدالة والتنمية، أو بصفة أدق، بين لويزة حنون التي توصف بالعلمانية والمعادية للمبادئ الإسلامية في القوانين الجزائري-قانون الأسرة، وبين مقري (حمس)، وجاب الله (العدالة والتنمية) المعارضان للتيار العلمانية الذي يهاجم، حسبهم، كل ما له صلة بالإسلام في الجزائر، وكان يصل السجال أحيانا لاتهامات خطيرة، كاتهام لويزة حنون بكونها علمانية متواطئة مع جهات أجنبية، واتهام حنون للإسلاميين بمحاولة السيطرة على الحراك وفرض منطقهم، وطبعا الجميع كان وقتها يحاول تعبئة الجماهير عن طريق النزول للشارع والتظاهر لكسب أصوات المحتجين في المسيرات. إذن، ومهما كان ما توصف به حنون من طرف هؤلاء، إلا أنها الوحيدة من بين النساء السياسات، التي تقف بالمرصاد للإسلاميين سواء في البرلمان أو عبر الاعلام.

بين المقاطعة والمشاركة في الانتخابات

لا تفهم مواقف بعض الأحزاب السياسية المعارضة في الجزائر، فأحيانا، تعلن مقاطعتها لموعد انتخابي ما، وتقدم تبريرات خاصة بها، تصل في بعض الحالات لاتهام السلطة بالتزوير المسبق للانتخابات، أو محاولة هذا الحزب أو ذاك استمالة الناخبين لمواقفهم، فالأحزاب اليسارية أو التي توصف أحيانا بالعلمانية أو الديموقراطية، حسب وصف بعض وسائل الاعلام المحلية، كحزب العمال، أو جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس)، أو التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية (أرسيدي)، أو الحركة الديموقراطية الاجتماعية (أمدياس)، وكل هذه الأحزاب ضمن التيار الليبيرالي الذي لا يتفق في بعض مواقفه مع التيار الإسلامي، قاطعت الانتخابات البرلمانية الماضية في يونيو/حزيران 2021، حيث رأت بأنها انتخابات لا تمثل الشعب ومحسومة لجهة معينة مسبقا، أما الآن، فالأفافاس المقاطع والمعارض التقليدي للكثير من المواعيد قد غيّر موقفه وأعلن مشاركته، لكن حزب العمال سبقه في الإعلان عن ذلك، حيث قرر الحزب المشاركة في الانتخابات المحلية كما تسمى في الجزائر أو (انتخابات المجالس المحلية – المجلس الشعبي الولائي، والمجلس الشعبي البلدي).

وغير واضح كيف تفكر لويزة حنون، الاشتراكية والعلمانية والتروتسكية المدافعة عن حقوق العمال والمرأة والسيادة الوطنية، خاصة ما تعلق بالقوانين التي تخص قلب الاقتصاد الوطني كقانون المحروقات، كيف تفكر في المقاطعة تارة، والمشاركة تارة أخرى، فمثلا كانت قد صرّحت غداة إعلانها مقاطعة التشريعيات (في يونيو الماضي)، بأن الانتخابات التي تحضّر لها السلطة لن تعزز الديموقراطية، واتهمت السلطة بمحاولة السيطرة على البرلمان ثم المجالس المحلية المنتخبة، وطبعا كانت تقصد أنه بعد البرلمان، سيأتي دور المجالس المحلية للسيطرة عليها أيضا، وبأن الشعب وقتها ( كانت مسيرات الحراك قد توقفت بسبب قرار وزارة الداخلية في مايو/أيار)، لذلك كان قرار المقاطعة مبنيا على مبررات مقنعة بالنسبة للحزب، لكن الآن، وبعد أشهر من المقاطعة والمعارضة الشرسة لممارسات السلطة بسبب حملة الاعتقالات التي طالت نشطاء سياسيين وحتى اعلاميين، عاد حزب العمال لإعلان المشاركة في انتخابات كان قد شكك في نزاهتها، فماذا تغير حتى يغير هذا الحزب من قناعته وموقفه؟

بحسب تبريرات لويزة حنون للإعلام بعد اعلان حزبها المشاركة في الانتخابات المحلية، فقرار المقاطعة يختلف عن قرار المشاركة، بحكم أن البرلمان له علاقة بتمرير سياسات الجهاز التنفيذي، بينما في المجالس المحلية في الولايات والبلديات بالأخص، أي الجماعات المحلية، يختلف الأمر في رأي حنون التي ترى بأن هذا له علاقة مباشرة بحياة المواطن الذي يمكنه أن يحاسب ويساءل المنتخبين المحليين، لكن، برغم ذلك، هل تثق حنون في انتخابات تنظمها سلطة قالت عنها مسبقا بأنها غير نزيهة؟ ومثلها مثل الأفافاس، كيف يمكن لحنون، التي اتهمت مسبقا بالضلوع في التآمر على الجزائر، ثمّ تمت تبرئتها، وانتشرت عنها بعض الشائعات كتجارتها في مجال الخشب، أن تقنع الناخبين الجزائريين، سواء الذين يقاطعون الانتخابات عامة بحكم استمرار ايمانهم بالحراك ومعارضتهم للسلطة، أو أولئك الذين ملوا من سياسات البلديات التي لم تعد لها صلاحيات واسعة من جهة، وشح مواردها المالية، ورائحة الفساد التي تحوم حولها؟