تعيش تونس في الفترة الاخيرة موجة إضرابات واحتقان اجتماعي في عديد المدن تنبيء بأن انفلاتا كبيرا بات على الأبواب قد يكون خارجا عن السيطرة  ومهددا للاستقرار الاجتماعي في البلاد اذا استمرت الأوضاع كما هي عليه الأن دون تدخل الحكومة واتحاد الشغل والقوى الوطنية في المجتمع المدني ٠

لأول مرة منذ سنوات يقر قادة اتحاد الشغل أن أطرافا لا تنتمي اليه ولا ينتمي اليها هي من تحرك الإضرابات في بعض القطاعات وعديد الجهات ، وهذا الإقرار من " أكبر قوة في البلاد" يشي بأن " الأحزاب التي خسرت الانتخابات" ، كما تمت الإشارة اليها ، هي من تحكم على الميدان وتملي شروطها٠

ولأول مرة منذ سنوات تعلن الحكومة،  مجتمعة وليس وزارة أو مؤسسة عمومية كبرى لوحدها ،عن خصم أيام الإضراب ، القانونية والعشوائية ، من الأجور ، رغم أن السند القانوني موجود منذ سنوات وتم الانقلاب عليه والتغول على الدولة ، وانه لا يجوز أن نتمتع بحق الإضراب والحصول على أجر دون عمل أو انتاج ، وهو أمر يعرفه المسؤولون النقابيون الذين يستنكرون على الحكومة ، التي استيقظت متأخرة، عدم استشارتهم ، وكأنها جاءت بقانون جديد ولم تنفض الغبار عن نص قديم تم سنه بعلم النقابيين وحضورهم ٠

ولأول مرة منذ سنوات يصدق كثير من الناس وعودا ، من مجموعات لا رصيد لها ولا مصداقية ، بأن كل مواطن سيتحصل على نصيبه من ثروات منطقته ،بيمينه ونقدا وعدا، شرط أن يخرجوا الى الشوارع ويحتجوا ويعتصموا ويغلقوا الطرقات ٠

وليعلم الجميع أن نسبة النمو المسجلة في البلاد خلال الثلاثية الاولى من العام الحالي استقرت في حدود 1.7 بالمائة وأن الخبراء التونسيين يرون أن النمو في نهاية العام لن يتجاوز 1 بالمائة ، وهي نتائج لن تحدث إصلاحات ولن تخلق مواطن شغل وستجعلنا في قبضة صندوق النقد الدولي ، الذي تجرأ وأمهلنا لنهاية العام لنطبق وصفته ، بالفاصلة والنقطة ، بعد أن وضع معارضوه سكينه على رقبة الدولة بوعي منهم أو دونه ٠

وليعلم الجميع أننا لسنا بعيدين عن السيناريو اليوناني ، الذي حماه الاتحاد الاوروبي ولم تقف على حدوده مجموعات متطرفة ، وأن حلنا ليس في انتخابات سابقة لأوانها ، كما يحلم بذلك البعض ، بل في استعادة قيمة العمل وتحسين الانتاج وتوحيد الجهود والتوافق ، ولو ظرفيا ، لأن فرصة الإنقاذ مازالت الى اليوم متاحة وممكنة ، ولا يمكن أن تستمر طويلا اذا تواصل الامر كما هو اليوم.

صحفي وكاتب تونسي