أن ترتفع الآن أصوات من حلفاء حركة النهضة السابقين، ومن المتفرعين عنها، ليقرعوا طبول الحرب على حركة النداء، بعد أن أفاقوا الآن أنها حركة تجمعية أعادت بعث "التجمع" في لبوس جديد، وهي قادمة لإرجاع الحكم الديكتاتوري إلى البلاد، فهذا إما أن يؤخذ على أنه هراء ولاصلة له بالواقع السياسي التونسي الذي تغير بشكل ملحوظ، مع كل المساويء التي فيه، وإما أنه عمل مدبَّر لإعادة إنتاج سيناريو الفتنة في البلاد عله ينجح هذه المرة! خاصة وأن جانبا من تلك الأصوات وصل إلى حد التهديد الصريح، من الداخل ومن وراء الحدود، بسفك الدماء و بقطع الرؤوس. ولكي لانغرق في حوار الصم بشأن هذا الموضوع، دعونا نمض إلى المفيد.

من الجائز القول إن حركة نداء تونس لوحدها، ليست الحل المثالي في المطلق. ولكنها تمثل الحل المثالي العملي للمرحلة الراهنة، بمختلف مكوناتها الداخلية والخارجية، سواء من حيث تركيبة الحركة العاكسة لشرائح كثيرة متنوعة من الطيف السياسي والإجتماعي والثقافي في البلاد، أو من حيث المباديء الكبرى التي أعلنت الإلتزام بها، والتي هي مدرجة في الدستور الجديد للبلاد، وكل ماتحتاجه هو نقلها إلى حيز الواقع.

لكن، يبقى بأيدي قادة الحركة، حركة نداء تونس وهياكلها، إثبات صدق توجهها، ليس لحركة النهضة وحلفائها طبعا، علنيين كانوا أومن وراء ستار، ولكن لكل الشعب. لمن صوتوا لقوائم النداء، ولمن لم يفعلوا، سواء بالتصويت لغيرها أو بالغياب عن مجمل الإستحقاق الإنتخابي، وهؤلاء ليسوا بالقليلين. وإثبات ذلك،لايكون بغير الإنفتاح على مزيد من القوى التقدمية والديمقراطية والحداثية (إلى جانب تلك المندمجة في النداء منذ تأسيسه، أو الملتحقة به تباعا، فضلا عن اعداد التجمعيين السابقين الذين ضمتهم حركة النداء، ولم يعرف عنهم إجرام أو فساد)، والإشتراك معها في صوغ برنامج أولويات للسنوات الخمس القادمة، بعيدا عن المحاصصة الحزبية، من أجل إخراج البلاد من النفق المظلم المرتهنة فيه، إلى الفضاء الرحب المنير! ولعل ماتزخر به الجبهة الشعبية وحزبا المسار وآفاق، من كفاءات وطنية خلاقة لجدير بأن يدفع حركة النداء إلى إقامة تحالف توافقي مع هذه الكتل والفصائل السياسية يقوم على برامج واقعية، ويبعث الأمل في النفوس بعد يأس ! وهكذا يكون العمل السياسي بين قوى الحكم التي تمثلها مجمل تلك التحالفات، وبين قوى المعارضة التي تمثلها أساسا حركة النهضة والمتحالفون معها، سواء سابقا أو حاليا، أو في قادم الأيام، مبنيا في السنوات الخمس التالية للإنتخابات،على مشروعين رئيسيين لمستقبل البلاد والمجتمع، ريثما تتهيأ الظروف الموضوعية لخيار ثالث !. 

والتكن الديمقراطية وصناديق الإقتراع هي الفيصل بينها! وفي ذلك إثراء للحياة السياسية ومجال واسع للتنافس السلمي طبعا.

أما إذا لم ينجح مشروع هذا النوع من التحالف، فإن الأقرب للتحقق هو إندماج حزبي المسار والعمل أساسا مع الجبهة الشعبية، دون إغلاق الباب وراءهما، وتشكيل قوة معارضة فعالة تركز عملها على وضع برامج بديلة، وتكثيف تواصلها مع مختلف شرائح الشعب لتوسيع قاعدتها المقتنعة بتلك البرامج. وطرح نفسها خيارا ثالثا بديلا لمستقبل آمن دائم للشعب التونسي بكل فئاته!

غير إن مالفت نظري أكثرفي كلمة مرشح حركة نداء تونس لرئاسة الجمهورية، في كلمته الإنتخابية الرسمية في التلفزيون مساء أمس الأربعاء، إشارته في الجزء الأخير من هذه الكلمة البليغة بالفعل، وفي سياق حديثه عن طبيعة الحكومة التي سيقع تشكيلها في ضوء نتائج الإنتخابات التشريعية الأخيرة، وعن علاقته بها في صورة فوزه في الإنتخابات الرئاسية، حيث قال السيد الباجي قائد السبسي" إن شاء الله نتعامل مع حكومة تكون حكومة الوفاق وحكومة العمل وحكومة جمع التونسيين جميعا". وهذا كلام ناضج ومسؤول، ليس من رجل سياسي فحسب، بل من رجل دولة. غير إن عبارة "حكومة الوفاق"، على إيجازها، تبقى قابلة لأكثر من تأويل بشأن المدى الذي يمكن أن يبلغه الوفاق ..

ولكن، دعونا من رجم الغيب، ولنكن متفائلين! 

ومن يدري فقد يصبح للمعادلة رقمها الصعب، لو يكون حمة الهمامي هو الفائز بالإنتخابات الرئاسية..

كاتب تونسي