سيلفا كير الذي قالوا عند توليه رئاسة الحركة الشعبية خلفا للراحل جون قرنق انه يحب استشارة من حوله ولا يفضل اتخاذ القرار منفردا لم يتسع صدره لانتقادات بعض رفاقه.

فأقصي نائبه رياك مشار من منصبه وجمد عضوية باقان أموم الأمين العام للحركة وأحاله للتحقيق فأحدث توترا قبليا تحول إلي اشتباكات دموية راح ضحيتها أكثر من500 عسكري ومدني في جنوب السودان خلال أول يومين فقط من محاولة الإطاحة به وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.

ورغم إعلانه عن إحباط محاولة الانقلاب واستعادة السيطرة إلا أن الاشتباكات تجددت في العاصمة وامتدت إلي جونقلي أكبر ولايات الدولة وتوريت بولاية شرق الاستوائية حيث انشق ضباط من قبيلة النوير وبدأوا حربا مضادة مهددين باندلاع حرب أهلية, وهو ما كان يتعين عليه أن يتحسب له قبل اتخاذ أي قرار يخل بالتوازن القبلي.

في المقابل قال مشار الذي ينتمي إلي النوير ثانية أكبر القبائل بعد الدينكا, قبيلة الرئيس,انه إذا كان لجنوب السودان أن يبقي موحدا فلا مجال لحكم الفرد ورد علي دعوة كير للتفاوض بأنه لن يتفاوض إلا علي شروط رحيله.وسبق أن طالب هو وباقان أموم المنتمي للشلك ثالثة اكبر القبائل بالتغيير واتهما مع لام أكول المعارض الثالث الحركة الشعبية بالفشل في تحقيق تطلعات الشعب وبالفساد.وهكذا تعقد الوضع وأصبح يحتاج إلي وساطة خارجية عاجلة وفعالة لمنع نشوب حرب أهلية بين مائة وسبع وخمسين قبيلة قد لا تتوقف إلا بانقسام الجنوب إلي دويلات لتركز الدينكا في أربع ولايات منها بحرالغزال والنوير بأعالي النيل والشلك بالاستوائية وأعالي النيل.

التحذير من عواقب هيمنة الدينكا علي مقدرات الدولة متجاهلة حقوق القبائل الأخرى تكرر كثيرا قبل انفصال الجنوب عن السودان.ففي يناير2011 حذر قادة الأحزاب السياسية الجنوبية من انفراد الحركة الشعبية بالسلطة وقالوا إن أي تراجع عن مقررات مؤتمر الحوار الجنوبي في اكتوبر2010 سيكون سببا في عدم الاستقرار وطالبوا بتشكيل حكومة انتقالية موسعة بعد الانفصال تضم كل أحزاب الجنوب للتمهيد للانتخابات ومراجعة الدستور وفقا لتوصية المؤتمر. لكن كير لم يتحمس لتشكيل مثل هذه الحكومة.وبقيت بذور التمرد في جنوب السودان قائمة بوجود نحو28 فصيلا مسلحا لم يتم استيعاب معظمها في جيش الشمال أو الجنوب حسبما تقضي اتفاقية سلام نيفاشا التي أنهت حرب الجنوب عام2005.

ولأن معظم حقول بترول دولة الجنوب التي تعتمد ميزانيتها علي عائداته بنسبة98% تقع في أراضي قبيلة النوير ذات العداء التاريخي للدينكا فان العمل علي استرضاء أبنائها أمر حيوي لاستقرار البلاد وليس إقصاءها من السلطة في بلد يحتاج إلي بناء بنيته التحتية من الصفر وتعصف البطالة بنصف أبنائه وتبلغ نسبة التضخم42% الأمر الذي أحدث حالة من التذمر والسخط لدي المواطنين الذين كانوا يتعشمون أن تتحسن أحوالهم المعيشية بعد الانفصال. فنحو95% من أبناء الجنوب تحت خط الفقر ويعاني48% من الأطفال تحت سن الخامسة من سوء التغذية ويلتحق20% فقط بالتعليم الابتدائي و20% فقط من البالغين يلمون بالقراءة والكتابة ويموت12.6% من الأطفال تحت سن الخامسة و2% من الأمهات الحوامل, وبلغت نسبة المصابين بالايدز بين سن15 و49 سنة23% ويعيش51.7% بلا مياه صالحة للشرب حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الانمائي في.2010

الاقتتال يدور بين القبائل في تسع من ولايات الجنوب العشر في صراع علي النفوذ والأرض والمراعي, وجونقلي هي الأكثر تأثرا بالصدامات المسلحة التي تحدث بين كل القبائل تقريبا, بين النوير وكل من المورلي والدينكا وبين المورلي والدينكا وحتي بين بطون الدينكا نفسها في بحرالغزال وبطون النوير في ولاية الوحدة وبين النوير والشلك حول ملكال مع تزايد ملحوظ في استخدام الأسلحة النارية في الاشتباكات حسبما لاحظ المراقبون. وإذا استمرت القلاقل والاضطرابات ستعوق عملية التنمية وتستنزف موارد الدولة القليلة علي شراء السلاح وإصلاح ما خربته الحرب وتثير مخاوف المستثمرين من ضياع أموالهم إذا استثمروها هناك فضلا عن أنها ستعطل مباحثات حل القضايا المختلف عليها مع الخرطوم مثل منطقة أبيي الغنية بالبترول واستكمال ترسيم الحدود التي لم يتم تحديد20% منها حتي الآن.

 

 

المصدر: جريدة الأهرام