شهدت انطلاقة  التغيير في سدة الحكم لكثير من الدول او ما اصطلح عليه زورا بالربيع العربي, الثورة التي قلنا عنها بانها الثورة الناعمة المتحضرة والاحلام الوردية التي كان يتطلع اليها الشعب التونسي ,بل ذهب البعض بتسميتها بثورة الياسمين, اعداد القتلى والجرحى لا تكاد تذكر, رحل الديكتاتور بعد ان فهم مطالب الشعب, لكن الاخرين من احباء الشعب سارعوا الى ملأ الفراغ ,ساهموا في تفكيك الجهاز الامني الذي كان يساهم في تحقيق الامن للدولة وضيوفها من مختلف اصقاع العالم ينعمون بشواطئها الجميلة وواحاتها الخلابة وتراثها الضارب في اعماق التاريخ, كانت السياحة تدر دخلا لا باس به, تساهم في ايجاد بعض مواقع الشغل للكثير من الشباب العاطل عن العمل.

افرزت الانتخابات الاولية تشكيلة حكومية ثلاثية(ترويكا) ,اغتيل بعض النشطاء, بحثت الدولة جاهدة لإيجاد اماكن شغل للطاقات المعطلة, تم تصديرها الى بلاد الشام حيث الاجور المرتفعة, تلقّى هؤلاء تدريبهم في ليبيا حيث الامكانيات المتاحة ومن ثم نقلهم الى تركيا لقضاء فترة استجمام بسيطة والقاء نظرة على ما شهدته تركيا من تطور بفعل الضرائب والمكوس التي كانت تفرض على رعايا "ولايات" شمال افريقيا في سبيل الحماية من العدوان الخارجي الصليبي الذي كان يهدد المنطقة, ومن ثم الانطلاقة نحو المكان الموعود ,فإما النصر والغنائم وحور العين من مختلف الاصقاع  من خلال ما اصطلح عليه (جهاد النكاح), واما الشهادة حيث تعتبر الشام المنطقة الاكثر قربا من الجنة التي وعد بها مشائخنا الاجلاء شبابنا المتعطش الى ذلك.   

عاد الذين لم يحالفهم الحظ بنيل الشهادة في بلاد الشام الى وطنهم الحبيب, فهو من وجهة نظرهم أوْلى بالجهاد, حيث ان اماكن اللهو والفجور كما هي لم تقفل, بل ان الافطار في رمضان اصبح جهارا نهارا, عملا بما جاء في الدستور الجديد, حرية المعتقد, حرية التصرف, غير آبهين بشعور الاخرين, فهؤلاء من وجهة نظرهم يمارسون حريتهم الشخصية, ولم يعدّونها بليّة, وبالتالي فإن عبارة (اذا ابتليتم فاستتروا) لم يعد لها مكان في عقول هؤلاء, فكل شيء مباح, من يدري فقد يكون الآتي من الافعال اعظم.

 اربع سنوات من التباهي بسقوط النظام, لكن الامور تتجه نحو الأسوأ, انتقلت اعمال العنف من الجبال الى المدن الكبرى, وطاولت قطاع السياحة فأصابته في مقتله, أصيب اركان الحكم بالهلع, استشاطوا غضبا ,يلقون باللائمة على الجارة ليبيا التي اصبحت مصنعا لتفريخ الارهاب, فالإرهابيون هم من يتولون زمام الامور في ليبيا والحكومة التونسية تقيم معهم علاقات متينة, تستقبل قادتها خريجي افغانستان وغوانتانامو, ظاهر العلاقة الحرص على مصلحة تونس وباطنها ان حكام تونس الجدد يسعون الى تحقيق مصالحهم الشخصية ,فالسوق الموازية (التهريب) تدر ملايين الدولارات التي لا تستفيد منها الخزينة العامة للدولة بل تذهب الى جيوب هؤلاء المتنفذين في السلطة.

وامام هذا المد الجارف للارهاب,اعلنت الحكومة عن ثلاثيتها المأساوية, فقالت انها بصدد اقامة جدران عازلة وخنادق وحواجز إلكترونية على الحدود مع ليبيا, وبالتأكيد ستكون ايضا على الحدود مع الجزائر, إن حكام  تونس يعزلون تونس عن عالمها الخارجي فتكون بذلك اشبه بقطاع غزة, مع اختلاف الفاعلين, هناك; عدو يريد تجويع الشعب الفلسطيني, بينما في تونس يتم بفعل من انتخبهم الشعب!, لكنهم وللأسف اظهروا انهم ليسوا اهلا للقيادة وان كان البعض يتشدق بالخبرة والنهوض بالدولة, ربما خبرتهم تكمن في كيفية تنمية مدخراتهم الشخصية, على الشعب التونسي ان يصبر على هؤلاء الى الانتخابات القادمة لاستكمال مدتهم, هكذا هي لعبة الديمقراطية, وإلا اعتبرت انقلابا على الشرعية...  .

 

كاتب ليبي

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة