عبد الستار العايدي

اهتزازات التوتر التي تشوب السياسة الخارجية التونسية والعلاقات الدبلوماسية قد تحولت منذ تولي قيس سعيد السلطة إلى اليوم من السقف الدولي، الجانبين الفرنسي والأمريكي، إلى السقف الاقليمي مع المملكة المغربية إستنادا إلى إستقبال زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي من طرف قيس سعيد، إستقبال يكاد يكون بمثابة حفاوة لرئيس دولة مستقلة ذات سيادة، حسب القراءة الأولى فالنظام السياسي الجديد لتونس وبرؤية واحدة  يحاول أن يضفي تحويرا على شبكة علاقاته الدبلوماسية بداخل محيطها الإقليمي والدولي استنادا لسياق منظومة العلاقات الدولية الحالية، الحرب الروسية الأوكرانية وما يتبعها من استتباعات جيوستراتيجية تمس في مقام ما العلاقات الداخلية لما كان يسمى، اتحاد المغرب العربي، فتوتر العلاقات الثنائية بين دول الاتحاد هي أصلا ما تسعى إليه بعض القوى الدولية لضمان مصالحها داخل منطقة شمال إفريقيا.

كسر واجب التحفظ والحياد التونسي في مسألة الصراع القديم بين المغرب والجزائر وإستقلال الصحراويين إعتبره المغرب إساءة إلى مشاعر شعبه وقواه الحية وعمل خطير يهدد العلاقات الاقتصادية والديبلوماسية بين البلدين، ورغم تأكيد الخارجية التونسية أن الوفد الصحراوي المشارك في هذا المؤتمر جاء بناءا على مذكرة دعوة من الاتحاد الإفريقي ودعوة شخصية من رئيس المفوضية الإفريقية والتزامها بقرار الاتحاد الافريقي دعوة كافة اعضائه بما فيهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وتذكيرها بمشاركة "الجمهورية الصحرواية" في قمتين سابقتين لـ"تيكاد" في كينيا عام 2016 واليابان عام 2019، إضافة الى القمة الإفريقية-الأوروبية في شهر فيفري الماضي في بروكسل "بمشاركة المملكة المغربية في جميع هذه القمم إلا أن ذلك لم يكن مبرّرا يكفي المملكة المغربية وإعتبار ما حدث هو محاولة رفع سقف التوتر الديبلوماسي بين بلدان المغرب العربي الثلاثة، تونس والجزائر والمغرب، بخصوص هذه المسألة، فحياد تونس وتحفظها على التصويت سابقا لصالح المغرب بسيادته على الصحراء الغربية كان ولا يزال النقطة السوداء في صفحة العلاقات الثنائية فما تفعله تونس حسب وجهة السلطات المغربية هو إنتصار للجزائر ودعمها لقضية إستقلال ما يطلق عليهم بالانفصاليين.

إستقبال زعيم جبهة البوليساريو في تونس قد كشف عن نافذة أخرى للتوتر المتواصل في العلاقات الدبلوماسية بين تونس وأمريكا، هذه الأزمة التي لازالت تدور رحاها حول مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان والنظام السياسي الجديد لتونس واعتبار ما حدث هو شكل من الانقلاب على المسار الانتقالي الذي تعيشه، مسار تؤكد أمريكا على العودة إليه خاصة إثر الزيارة الأخيرة التي أداها وفد من الكونغرس الأمريكي الذي ردّد في بيان نهاية زيارته أنه لا يقبل أن يتم إقصاء عدد من الأطراف السياسية عن المشهد، هذا الاستقبال العلني لم يكن الغاية منه سوى إرسال رسالة إلى أمريكا، رغم أنها جاءت متأخرة، بعد إعترافها خلال حكم دونالد ترامب بمغربية الصحراء الذي كان ثمنه تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، هذه الرسالة التي تدثرت بغطاء مؤتمر دولي، ياباني إفريقي، مفادها أن النظام السياسي الجديد الذي يرسم قيس سعيّد ملامحه لا يتوافق والسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة وسحب بساط آخر بعد البساط الجزائري من تحت قدم الإدارة الامريكية .

على ضوء ما حدث، كشفت الأوساط السياسية التونسية عن رفضها لما حدث وإعتبرت ما فعله قيس سعيّد شرخ كبير في منظومة العلاقات الديبلوماسية التونسية مع المجموعة الإقليمية والدولية، وأن الاستقبال الرئاسي لشخص ليست له سلطة رسمية قد يعود بنتائج سلبية تضرّ بمصالح تونس الخارجية، كما وجدت المعارضون لمسار قيس سعيّد نقطة ضوء أخرى داخل النفق الذي بناه للمشهد السياسي عموما للضغط إعلاميا وسياسيا في الداخل والخارج للتحرّك مجدّدا ضدّ خارطة الطريق التي رسمها، وحسب رأي بعض المهتمين بالشأن السياسي في تونس والمغرب فالتوافق التونسي الجزائري الحالي حول مسألة الصحراء الغربية قد يقود في المدى الطويل إلى طرد سفير تونس بالمغرب وقطع العلاقات بين البلدين بالإضافة إلى مزيد تأزم الوضع الديبلوماسي التونسي دوليا إستنادا إلى أن هذه "الجماعة الانفصالية" لم تجد الاعتراف بها إلا في الغرف المظلمة خاصة أن الوضع الاقتصادي لتونس لا يسمح لها حاليا خلق الأزمات السياسية مع الخارج، ففترة الهدنة السياسية في تونس مطلوبة في هذا الوقت باعتبار المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي ومحاولة تونس إستقطاب أكثر من يمكن من الاستثمارات الخارجية للتخلص ولو من جزء بسيط من ثقل الديون الخارجية والداخلية

يطرح هذا الاعتراف ولو ضمنيا بالبوليساريو واجهة أخرى هي التأكيد على أن تونس لازالت تحافظ على بعدها الجغراسياسي، الجزائر، مما يطرح سؤالا مهمّا وهو أن النجاح الذي حققته في الثبات على مواقفها تجاه المسائل الاقليمية وعلاقاتها الدولية سيكون نفسه المسار العام لتونس مستقبلا خاصة وأن استراتيجية السياسة الخارجية التونسية على مدى عقود تأسست على المرونة وعدم تصدير الأزمات أم أن ما حدث مجرّد جس نبض لدرجة حرارة طقس الخريف القادم.