وأخيرا طوى الشعب التونسي ثلاث سنوات من  حكم من خيبوا ظنه في جلب الاستقرار وانتعاش الاقتصاد المتدهور وخفض نسبة البطالة,فكانت الترويكا وبالا على الشعب التونسي,,شهدت عمليات اغتيال ساسة ونقابيون وقتل عسكر لم يسبق لها مثيل في تونس على مدى السنوات الماضية من عمر الاستقلال رغم ما قيل عنها بأنها بعضها كانت جد قاسية وديكتاتورية,قال الشعب كلمته,فوزع شهائد التقدير لكافة الأطياف السياسية كل حسب عطائه في المرحلة المؤقتة, لم يحرم أحدا,أبقى الأمل لكل من يريد خدمة الشعب لم يزكي أحدا ليستأثر بالحكم بمفرده,انزل النهضة درجات نكالا بما فعلته أثناء حكمها غير الميمون,أذل رئيسه الذي لم يحسن التصرف واعتبر الشعب وكأنه قطيع أوكله رعايته.

الحقيقة أن الشعب زرع الأمل في روح رئيس الجمهورية المؤقت,الذي تصرف أثناء الحملة الانتخابية بشيء من الاطمئنان واعتقد انه باق في قصر قرطاج دورة أخرى, بل تعهد لناخبيه بأنه في حال فوزه لن يترشح ثانية للرئاسة,وكان يوم الحسم لقد اختار الشعب التونسي الوسطية,لم ترهبه الأصوات النشاز التي بحت بها أصوات قادة الترويكا وذلك بتخويفه من انتخاب أناس قد يكونون محسوبين على العهد القديم,اختار اكبر الساسة سنا ليقينه بأن "الشيوخ"لهم باع طويل في كافة المجالات فلا مجال للتقاعد الإلزامي طالما هناك رغبة في العطاء,وأنهم سيتصرفون بحنكة ورزانة وسيعملون لصالح الشعب الذي عايشوه سنين طوال وعلى دراية تامة باحتياجات ومتطلبات شعب استطاع النظام البورقيبي أن يرسي له نظاما مؤسساتيا ويجلب له الأموال من كافة أصقاع العالم ويجعل من تونس دولة مميزة بإمكانيات متواضعة ,هكذا هو الباجي قائد السبسي الذي بدا أكثر واقعية من غيره بما يحيط بالشعب التونسي من أخطار محدقة في ظل تواجد منظمات إرهابية على جانبي الحدود مدعومين بقوى الشر الإقليمية والدولية, متفهما لمتطلبات الحداثة فنال إعجاب فئات الشعب المختلفة.

أرسى الشعب التونسي نظاما ديمقراطيا جديدا"برلماني مختلط",لم يسلب الرئيس كل صلاحياته كما النظم الغربية ليبقى شاهد زور أو ما يعرف زورا بحماية الدستور,بل له دور بالسياسة الخارجية وما يختص بالعسكر وحماية الوطن.

يدرك الشعب التونسي أن توزيع الصلاحيات (رئيس الجمهورية والوزير الأول) في هذه المرحلة من شانه أن يحدث إشكالات قد تؤدي إلى صراع بينهما ما يعطل البلد,فكان الرئيس من صنف الوزير الأول الذي سيشكل حكومة لن تشمل كل الأطراف,بعيدا عن نغمة حكومة الوحدة الوطنية التي لن تكون كذلك,بل إن كل طرف سيلقي باللائمة على الآخرين,وعلية فان الحكومة المرتقبة ستكون من فريق متآلف سيسعى جاهدا لتحقيق انجازات قد تكون له رصيدا في الانتخابات المقبلة.

النهضة حاولت أن توهم الرأي العام بأنها لا تؤيد أيا من المترشحيْن,ولكننا تعلم جميعا بان غالبية النهضويين صوتوا للمرزوقي,وهم على قناعة تامة بأنه لن ينجح ولكن ليبقى جميلهم في عنقه طوال عمره المديد.النهضة ومن معها وقد منحهم الشعب مقاعد لا باس بها بالبرلمان سيقودون المعارضة ويكون لهم دور فاعل في القرارات المصيرية,ربما المعارضة لأول مرة تدخل البرلمان فإنها ولا شك ستتعلم وتكتسب خبرة ما يؤهلها تقديم نقد هادف بناء تستفيد منه الحكومة والاستفادة من أخطاء الحكومة وخلق كوادر في كافة المجالات فقد تتاح لهم فرصة الوصول إلى قصر القصبة.

تحية إلى الشعب التونسي بثورته البيضاء,الذي تصرف بحكمة, فكان الحكم مخففا لمن اخطئوا في حقه, أملاً منه في أن يساهم هؤلاء مستقبلا في بناء الوطن,فالوطن يسع الجميع وهم أبنائه.      

كاتب ليبي