ثقوب واختراقات في سفينة  ما يسمي (الدولة الليبية) 

 

ثقوب وقرصنة في سفينة الدولة الليبية من الداخل كانت خارجة عن العقل بقدر ما كانت فاضحة ومعيبة محليا وعالميا  ، وهو ما كشف عنه تحليل تاريخ الدولة خلال ما يسمي  التحليل عبر الحُقب الطويلة والحُقب القصيرة؛ وبالرجوع إلى تفكيك مساحة (تاريخيتهما ) خلال حِقبتي  سبتمبر /1969 / وفبراير /  2011/  نلحظ أنه لم يطرأ  أيٌ تغيير يمكن تسجيله في بنية الدولة الليبية غداة الانقلاب العسكري السبتمبري ؛ وحتي  ما يسمي تجاوزا  بإعلان التحرير في 23 /10 / 2011 ؛ بيد  أن الدولة في ليبيا لم تتقدم في الحُقبتين بل تقهقرت في حُقبة فبراير أكثر وإلى حد الفداحة ؛ والواضح أن  الأخيرة ، لم تقاطع أبدا حقبة سبتمبر/1969/ علي الرغم  من أننا ما زلنا نعيش إرهاصات بداية فبراير المفزعة بانتظار الدستور، والخروج من عنق الزجاج ، وحاجة الشعب الليبي إلى أن  يتنفس  الصعداء  .

   يقول دارج الكلام أن  " الربيع من فم الباب يبان " مع ذلك فالبِنية في الحقبتين هي واحدة  ، علي الرغم من أن فبراير كان مفترضا فيه  أنه جاء  ليسترد الكرامة ويرفع الظلم عن كافة أعناق الليبيين ، ويحقق العدالة الاجتماعية ورفاهة رديفة للتنمية الوطنية  التي أهدرت جميعها ، ثم جاء ليصحح بالنتيجة تاريخ الدولة الليبية ، ومكوناتها  في انقلاب سبتمبر إن لم يقاطعها بنيويا ، لكن ذلك لم يحدث ، الأدل عليه ،  أن  فبراير  لم يصحح  جسم  الدولة الليبية  ، بل أمعن في تفكيكها قصدا ، وزاد  في إهدار الأمن فعلا ، وتعطيل التنمية بصراع  أعمى  جهوي علي السلطة ، وعلى مغانم تركة سبتمبر في كل شيء ،  بل على النفوذ والهيمنة على بقايا دولة  هشة  حتى لا أقول على سلطان فارغ ، وبعد أن أهيل التراب على جثمان الشهيد ، ومواراته التراب ، جعلوا منه صورة إعلانية كبرى ، مرقوا تحت ظلها ، وقوّلوه في قبره من الأقوال والوصايا ما لم يقله هو نفسه أبدا ،  بعد كل هذا ،  بدأت أطراف فبراير مبكرا التحشيد في سباق ماراثوني لا نحو تكوين الدولة ، وتجديد أنفاسها بل نحو ( السبية ــ الغنيمة ) وتكوين الشوكة والعتاد والتغلب لأجلها ، ووقودها فرق ميلشياوية لاحتلال مواقع حيوية من  بقايا موروث الدولة و باحتواء المزيد من أفراد عاطلين في غالبيتهم أدّعوا التقليعة الثورية  ومن غير المؤهلين لشيء ، بهذه الطريقة أو غيرها ، كان الغرض ليس بناء جيش أو شرطة لبلد مترامي الاطراف ، حماية وتعزيزا لفجوة أمنية تتسع كل يوم رقعتها ، ما لم ترصد وترتق مداها في الحال ، في ظل مهام أمنية كثيرة وكبيرة تتسع كل يوم  ، بل ما حدث هو إنهاء للدولة بإنهاء المؤسسة العسكرية النظامية أو علي الأٌقل الإجهاز علي بقاياها الوطنية المهمشة منذ سطوة الانقلاب السبتمبري  .

  تلك هي العناصر التي تمور تحت السطح (فئران المجاري ) وتلك التي تطفو فوقه بارزة ، هي العوامل الحاثة على إعلان خراب روما الجميلة وانهاكها حد الاغتصاب . إضافة إلى إفراز للميلشيا مكون العصابات التي تتكاثر، لم تفرز فبراير زعامة أو زعامات فارقة بحسها التاريخي المميز للوطن والأمن ومستقبله بين الأمم بل أفرزت  قصار قامة لا ينظرون أبعد من أرنبة أنوفهم  ، لا يتمتعون بوعي سياسي يستشرف ما هو أبعد من الآني بل كل ما لديهم  وعي الشقي الانفصامي ، إن لم يكن وعي مزيف لا قدرة له علي تجاوز الراهن ، ولا علي  روح المبادرة الخلاقة بتفكيك مكان  وموضع العُقدة ، وتجاوز الحدث بقراءة موضوعية  شاملة ،وهؤلاء  سواء  أكانوا من أصحاب الجنسية  الواحدة أو من مزدوجي الجنسية والنظرة ومن غير العارفين ببواطن الأمور وواقع العيان الليبي .

          الدولة الليبية بين الرهن  أو الأسر : ـــ

... كل تلك العناصر مجتمعة ما ظهر منها وما بطن  عجلت بالضربة التي قصمت ظهر البعير ، أهلكت الزرع والضرع ، وفتتت كيان دولة متهالكة بالأساس ، والتقهقر بها لحالة من العنف الدموي ، والفوضى الغاشمة الممنهجة بالابتزاز غير الأخلاقي حد قتل المرأة الناشطة واغتيالها في حرمة بيتها ؛ فكان يحق علينا القول بأن القمة لها حد  وأما الانحطاط فليس له  حد . ومن تردي هذا التأزم وتفاقمها أنها تركت منذ البداية في تصاعد مجنون مستمر من التشكيك في قيم الديموقراطية والتدخل في تعديل الدستور بموجب أو بغيره ، واختلاق الذرائع بلغت حد رفع شوكة السلاج لديباجة قرار أو سن قانون ،  و أخيرا وليس  آخرا الانقلاب على نتائج الصندوق للجسم النيابي الشرعي ومصادرة صوت الأمة  ، وها هي الأزمة تستغول ، وتشعل  فتيل حرب أهلية  بدأت سهلة رخيصة لتنتهي أو لا تنتهي موجعة باهظة التكاليف ، وبعد أن اشتغلت و برزت معاول الفساد  والإفساد في تحطيم الأمن ، وعدم حفظ أرواح الناس من الخطف والاغتيال ، وتوظيف المال السياسي الفاسد ، كما اشرأبت الجريمة السياسية البشعة ، فكان الحال دولة فاشلة  / دولة مارقة / دولة عميقة / دولة عميلة  أو كلها جميعا ـــ  دولة لا وجود لها  إلا في الخريطة  ، فقد تخطي إهدار موازناتها خلال أربعة أعوام  الماضية من ( الحقبة الفبرارية  ) وما صرف ونهب من المال العام تخطى  ميزانيات صرف  أربعين عاما ونيفا ( الحقبة السبتمبرية ) ، المؤكد أنه  ما من قطيعة  بنيوية ولا أخلاقية بين العهدين تماست على حدود النقيض مع النقيض .....يتبع

كاتب ليبي