فئة الحل :

أولا : ــ 

   العلم الرياضي الحديث والمنطق السليم يجيز فئة الحل بنتيجة محصلة من البديهة أو البرهان ، كما يجيز مقاربة موضوع  إشكالي بالفهم والتفاهم والتوسيط  الحكيم ،  هذا بشروط حضور العقل ، وثقة مناهجه في الاستدلال والاستقراء .... ولكن ماذا عن  مقاربة عقل مأزوم  منفصم يحمل ثقافيا جينات القمع والقهر في مناخ استبدادي طال به العهد ، لا يعرف لغة الحوار، ولا آلياته ، ولا يعرف المنطق  بقدر ما يعرف الغلبة ، وشوكة التغلب (التعصب الأعمى )، والعناد العصابي لدرجة ... (الدم المسفوك)....وإذن فئة الحل لابد أن تكون واحدة من اثنين : إما  دعوة  بالتدخل الناعم  = ( الصلح ) أو  تدخل  القوة ، الحل القسري = ( الفئة الباغية )  بقوة الإجبار . في الحالتين فإن فئة الحل هذه ستكون اختيارا وفرضا .

ثانيا : ـــ

   كيف يمكن معالجة التأزم والحال الليبي من حاله ، وقد بلغ تأزمه  الحد الذي ينذر فيه بتقسيم ليبيا حتى لا نقول تقطيع المتصل فيها ، وتفكيك المركب بها ، وتقسيم الموحد منها  : ( تلاشي وتبخر الوطن الواحد )...والبديهة أن الأزمة إذا تكرست مع الزمن ولم يتصد لها بالعلاج العاجل كان من أمرها أن  تتفاقم وتستغول بمرور الوقت ..!! الحاصل من استفحال الأزمة الليبية الآن : حكومتان لا واحدة ، ومجلسا نواب لا واحد ؛ أحدهما منتخب (مجلس النواب ) ، والآخر (المؤتمر الوطني العام ) منتهية مدته الدستورية . وشاء سوء الحظ أن تتصاعد الأزمة في سياقها الزمني و تفعّل بطريقة (دراماتكية ) مخيبة للآمال ؛ فبدلا من المعالجة الهادئة  الأمينة حول مكان انعقاد البرلمان المنتخب الجديد  بين طرفي التسليم والاستلام بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني ....وبدلا من  التسوية وتجاوز الشكلانية  احتراما للناخب ولصوت الأمة مصدر السلطات جميعها ، وجدنا أنفسنا ( الشعب الليبي البائس ) في أتون حرب مجانية غبية حمقاء التي تخلفه يمور أكثر من أن تنجزه فكشفنا بمحك عملي أننا تحررنا  من الطغيان لكن جين الاستبداد وضعف الموارد البشرية الخلاقة والقدرة غلي قراءة واحدة إيجابية لواقع الوطن وبكلمة غياب الحس التاريخي  جعل بعضنا دعاة حرب ودم  فكان من الصعب  الجلوس  إلى طاولة الحوار الوطني المسؤول بين كل الأطراف الليبية ، وكان من الأصعب أكثر الجلوس دون ايديولوجيا (القطة السوداء في الغرفة المظلمة ) كي نبصر الوطن بوضوح  وحب دون حجب الواقع ، وتزوير عقد الأمة في اجتماع  هادف  لكل الليبيين في (وطن )يحبهم ويحبونه ودون تهميش أو إقصاء ، ودون  أحكام مسبقة .... وبدلا من معالجة الأمر بين الطرفين  المعنيين  لأجل أن تمرق دفة  سفينة الوطن (الغالية) بدلا من  ذلك ...ماذا حدث؟! أختزل البلد بحاله في طرفين اثنين حتى لا أقول (وطن واحد مفجوع ) وأهدر الدم الليبي رخيصا مثل الماء ــ مع احترامنا لكينونة الماء ـــ ، فضحك العالم وأندهش لقيامة العصور الوسطي في العصر الرقمي لبلد تحرر لتوهه من الطغيان ولم يتحرر من مطارح الاستبداد ، بلد إمكانياته  الموضوعية في مجال ( الجغرافيا السياسية ) يمكن وصفها بالمعجزة والخرافية دون شطط في التعبير ..... بلد  بُدد  وكُسر وعُطل فيه مشروع وطن يمكن أن يكون الأجمل و ذي بطانة دافئة كالمحارة تضم قوة اللحمة الوطنية .

  في غضون ثلاث سنوات من ما يسمي بالتحرير ؛ صار الدم  بين الأخوة وقطع  دابر المواطنة أمر مألوف وما لم يكن متوقعا أبدا  . ليس  من حلّ  خاصة بعد أن تردي العقل الانفصامي المتخلف وفد غرق في وهدة الدم ـــ ( الضحية تتقمص جلادها وتسرق منه أدواته  )  وكان قد أولغ في الدم  بغيّه اللاشعوري وهو يحسب أنه عوّض عن ذاته المشروخة ، وقد بنى مجدا شامخا فوق مجد شامخ بآليات الهجوم هذه المرة ، وليس بآليات الدفاع كضحية في المرة السابقة .

 

   ثالثا : ـــ

   لن يستقيم الحال العام إلا بترتيبه من جديد  ، وتنظيمه بحيث يكون مآله : (سيادة دولة ودولة سيادة ) بعقد اجتماعي بين أطراف الأمة على السواء ، باتفاق وتوافق ، وفهم وتفاهم دون إقصاء أو تهميش ، وبوضع الاعتبار أن مفهوم الجغرافيا السياسية في مبدأ (فرّق تسد ) هو صناعة السياسة الغربية في المنطقة ، وهو مفهوم قار للسياسة الغربية الخارجية منذ قبل (سايس بيكو) ، أما مبدأ (نهاية  الأيديولوجيا ) فبفضل  العولمة الكاشفة  للمحجوب والمستور نزعت الدول والأعراق عن عينيها قماشة الايديولوجيا ومع التقانة والعصر الرقمي تغير وتطور مفهوم الحرب إعلاما  وإدارة وتجارة  ، من ما يسمي بحروب الجيل الرابع ؛ حروب عن بعد ، وحروب التدمير الذاتي ، فلم نعد نسمع  بصراع الحضارات بل دخلنا مع العولمة إلي ترويج خبيث لصراع من داخل الحضارة الواحدة والثقافة الواحدة .

رابعا : ـــ

   الوعي المدني جسر لتجاوز مطبات الحدث وتداعياته بقوة الفهم وتقارب منافع الحياة والمصير ، تنبني  جماليات الوعي الوطني بتعليم عصري قوي وتربية رشيدة عالمة بجواب كل الأسئلة المفخخة أو المسكوت عليها في العصر  ، إذ أن الحوار مع العقل المستنير أفضل وخير من الحوار مع جاهل غلف متمترس في قحف الماضي أحفوري ، وقد أرتكن مع أوهام وأشباح الماضي بدلالة أهل الكهف ، نقول وعي مدني يتجاوز الوعي الشقي بكل بضاعته العقدية (الأيديولوجيا التي لا تبصر ) والقبلية وأصنامها ، والميلشاوية العسكرتريا الطاغية ، وأخيرا مركزية الإقصاء والتهميش تحت أي تسمية أو مسمي . (يتبع ...)