تبيَّن بعد المجزرة الأخيرة التي إقترفتها الأيادي الآثمة بكامل الوحشية وبرودة الدم ضد رجال الجيشالتونسي ، أن الإرهابيين بلغوا درجة من التنظيم المحكم والتخطيط الدقيق والحيازة الكاملة للمعلومات الصحيحة من داخل مصادرها.

كما تبين في نفس الوقت أن قوات الجيش والحرس والأمن بصورة عامة مازالت تعاني من ثغرات خطيرة ترتبط بالعدد وبالعدة، بالقيادات وبخططها، وأساسا بأجهزة الإستخبارات ..

تبين أيضا من خلال نظرة سريعة على محتوى البيانات التي أصدرتها الأحزاب والتحالفات التقدمية والديمقراطية أن بوصلتها مازالت غير دقيقة الوجهة والحركة..ومازالت مقيدة، بهذه النسبة أو بتلك، إلى موروث قديم قائم على التنديد والتشهير والمطالبة، بعد أن أفلتت منه في بعض اللحظات التاريخية السابقة..

لكن تبين خاصة أن الجماهير الشعبية برغم حالة القنوط والإحباط التي هيمنت عليها في الفترة الماضية مازال لديها الإستعداد للفعل، وإن كان أقل زخما مما كان عليه من قبل، بسبب ضعف الحلقة السابقة.

ولكن هل إن هذا الحراك كفيل بإخافة الإرهابيين وإبعاد خطر الإرهاب عن الوطن؟

فقبل أن تخرج الحشود منددة بالإرهاب سبقهم دعاة الإرهاب وأنصاره بإقامة خرجات آحتفال علنية في عدد من الجهات والساحات مهللين مكبرين مرددين أهازيج النصر على "الطواغيت"! وهذه أصبحت عادتهم كلما تعرض رجال الجيش او الحر والأمن إلى آعتداء إرهابي!

أما عن هرم السلطة فقد هز أركان الإرهاب وأهله.. بإعلان الحداد حزنا على شهداء تلك المجزرة الوحشية !..

هل تريدون الحقيقة أم "تغطية عين الشمس بالغربال"؟؟

مادامت هذه سمات الحالة، من بداية ضعف الأجهزة الدفاعية والهجومية بعناصرها التي عددتها أعلاه، إلى سرح ومرح دعاة وقادة وحماة الإرهاب بكامل الحرية والعنجهية، فلن يتوقف الإرهاب بل سيزداد بأسا وآتساعا!!

• أن لايصدر أمر قضائي آستعجالي بآعتقال من أعلن بيعته والتنظيم الذي ينطق بآسمه لمن قال إنه أميرللمؤمنين معناه تواطؤ السلطة مع الإرهابيين !

• أن لايصدر حكم قضائي عاجل ونافذ بحل حزب اعلن عدم آعترافه بالدستور وبالنظام الجمهوري وبالإنتخابات وكفر رئيسُه الناس، معناه حماية قاعدة آرتكاز الإرهاب وسنده الخلفي! 

• أن لايصدر أمر قضائي بتوقيف من آحتفل بالمذبحة الشنيعة ضد عناصر الجيش الوطني معناه تشجيع الإرهابيين على التمادي !

• أن لاتدعو كل الجبهات والتحالفات والأحزاب التقدمية والديمقراطية إلى حشد جماهيري ضخم أمام المجلس التأسيسي لحمله على المصادقة على قانون الإرهاب في 24 ساعة. معناه أنها تتهاون في الوقوف الفعلي في صف الشعب للذود عن حريته وأمنه!

• أن لايتشكل وفد من كل هذه الأحزاب لمقابلة رئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي وإبلاغهما إنذارا مكتوبا بوجوب التحرك الجدي في آتجاه آتخاذ إجراءات حازمة، معناه أن تلك الأحزاب مرتعشة الأيادي وغير قادرة على آتخاذ الموقف الصائب في وقته!

• أن لايفتح ملف تحقيق في من غض الطرف عن بدايات بروز مظاهر العنف والترويع والإرهاب في البلاد، وفي من حرض على السحل وهدر الدماء من تحت قبة التأسيسي وعلى منابر المساجد، وفي من قال إنهم يذكرونه بشبابه، وإن الجيش والامن غير مضمونين، وفي من هدد أبناء الشعب بالسحل في ساحة عمومية وأمام كاميرات التلفزيون، معناه الإشتراك في مؤامرة فظيعة على الشعب وما إعلان الحداد أو إصدار البيانات إلا تمويه مفضوح!

وبما أنه من غير المنتظر أن تقوم الحكومة بأي من الإجراءات التي يتطلبها الوضع، ومن الصعب أن يبادر المجلس التأسيسي، بعد مخاض كل الفترة السابقة، بالمصادقة على قانون الإرهاب،في أقرب الأوقات، ومن الصعب أن يحدث تغيير جذري قريب في خطط وتجهيزات وتركيبة أجهزة الإستخبار العسكرية والأمنية عموما مادامت القيادات السياسية العليا إما غير مؤهلة لإدارة المرحلة ومتطلباتها، أو إنها أو فيها من يعمل على إبقاء الحال على حاله، لغاية في نفس يعقوب!..كل هذا معناه أن على الأحزاب والتحالفات والجبهات التقدمية والديمقراطية أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية إزاء مايجري ومايهدد مستقبل البلاد!

وإذا كان الجواب أن العمليات الإرهابية في هذا التوقيت إنما كانت تهدف إلى جر الأحزاب التقدمية والديمقراطية إلى اللهث وراء الحدث والدخول في حالة من الفزع والفوضى تلهيها عن التحضير للإستحقاقات الإنتخابية القادمة، لذلك فلا بد من الرصانة والتحرك بحكمة حتى لاينجح هذا "المخطط الجهنمي"، فأقول إنه جواب مردود، أو على الأقل مبالغ فيه! فبالإمكان الحذر صحيح، ولكن بقدر ماتلتحم هذه الأحزاب مع الشعب وتكون ضاغطة بشكل جدي على الحكومة وعلى المجلس التأسيسي وحتى يلعب القضاء دوره وتسترجع قوات الجيش والأمن نجاعة فعلها، بقدر ماتسترجع ثقة الشعب فيها وتهيء لدخول الإنتخابات القادمة من الباب الكبير وعن جدارة. ثم في الآخر إنما تظهر قدرة الأحزاب وتكبر في الأحداث الكبيرة، ومالمسألة إلا حسن تنظيم وتوزيع أدوارداخل هياكل تلك الأحزاب من دون إهمال الإعداد اللوجستي والتقني للإنتخابات.

 

 

كاتب صحفي تونسي مقيم في دبي