بالإمكان القول إن الاتحاد الأوروبي يهدف فى أحد أبعاد علاقاته مع المتوسط من عقد اتفاقيات الشراكة واحتواء المشكلات التي تصدرها له دول جنوب المتوسط، فأوروبا تسعى إلي ذلك الحوار والمشاركة الأوروبية المتوسطية اتقاء لتصدير الأزمات المتراكمة، فلم يعد لدي دول جنوب المتوسط  من وجهة نظر شماله ما تصدره سوى إرهاب شاذ عن الثقافة العربية والإسلامية أو تطرف متعصب ينذر بأخطار جسيمة. لقد رمينا بالكرة في ملعبهم الأوربي والذي أصبح بدوره يبذل الجهد لتخفيف العبء ويعمل علي طرح مبادرة تلو الأخرى، ظاهرها التنمية والتعاون وحسن الجوار، وباطنها اتقاء شرور القادم. 

نحاول من خلال ما نعرضه في هذا المقال  أن نضع مدخل بحثي لمعرفة ما حدث وما يُتوقع أن يحدث وفق تحليل تداعيات تغير الانظمة في منطقة المتوسط بعد الثورات علي الشراكة الأورومتوسطية والتي بدأت في إطار مؤتمر برشلونة، وما هو مستقبل تلك الشراكة مع الدول المتوسطية، فالاتحاد الأوروبي حدد الأطر التي يدور في فلكها لتحقيق مصالحه في منطقة الشرق الأوسط، والحد من الهجرة غير القانونية  لإدراكه الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها هذه الدول بالنسبة للاتحاد الأوروبي، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي والأمني. فبالإضافة الي التحديات الدولية وبالأخص الأمريكية وطرحها لمشروع مغاير رغم اتفاق بعض بنوده تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد او الكبير، الا أننا نجد من الضروري قبل التطرق لمشاريع أخري يتوجب الدخول في معرفة تقدم او تأخر مشاريع دولية سابقة ومن أهمها المبادرة الفرنسية ومشروع الرئيس الأسبق لجمهورية فرنسا "ساركوزي" تحت عنوان الإتحاد من أجل المتوسط. 

رأيت من الضروري وضع إطار منهجي وسلم قياسي لموضوع الشراكة، ولذا توجب ان نضع المحددات وفقاٍ للأهمية ومنها؛ مدى تأثير تغير الانظمة السياسية علي موقف مشروع الشراكة؟ ما مدى تأثير قضية البطالة والإرهاب والهجرة تجاه مشروع الشراكة المتوسطية؟ 

ومن خلال المحددات سالفة الذكر تبرز الكثير من التحديات الفرعية وأهمها تأثير الارتباط الإقليمي والدولي لدول الربيع العربي علي سياستها الخارجية تجاه مشروع المتوسطية، وفي أي اتجاه تذهب السياسات الاتحاد الاوربي المتوسطية تجاه دول الربيع العربي بما يحقق مصلحتها العليا في منطقة المتوسط،  والأهم هو مشروع الشراكة الأورومتوسطية في مواجهة مشروع الشرق الأوسط الكبير وهو ما سنأتي علي تفصيلاته في مقالات قادمة.

الأحداث والمتغيرات...موقف الإتحاد الأوربي

لم يكن  الاتحاد الأوروبي علس مستوي حدث زلازل التغييرفي بعض الدول العربية، بل كان  أقل من المتوقع، وهو ما يؤكد ضعف وضبابية القراءة الأوربية للواقع العربي حيث لم تضع ضمن توقعات دراستها التغيير في الكثير من بلدان جنوب المتوسط،، فلم يكن لديها استشراف المستقبل لتلك الدول، بل إنها أُجبرت على التعاطي معه كضرورة لاستمرار العلاقات لا كفرصة يمكن استثمارها، كما أضحت المصالح التجارية وأمور الطاقة ومحاربة الإرهاب ومكافحة الهجرة غير القانونية والمصالح الأمنية كلها تخضع في النهاية إلى حسابات تحويلية وتعويضية.

مراحل الشراكة الأورومتوسطية

وفى عجالة سوف نقسم علاقة الجماعة الأوربية (الاتحاد الأوروبي الآن) بدول المتوسط الى ثلاث مراحل: أولها: مرحلة معاهدة روما (1957-1972)، وثانيها: مرحلة السياسة المتوسطية الشاملة (1973-1991)، وثالثها: ما بات يصنف بـ" مؤتمر برشلونة "مرحلة السياسة المتوسطية الجديدة (1992- …. ) .

وقد نشأ بناءًا على ذلك نظامان أساسيان فى علاقات الاتحاد الأوروبي ببلدان المتوسط، العضوية (الكاملة) والتعاون (التمييزى). غير أن أهم الاحداث والتطورات كان ما حققه مؤتمر برشلونة عام 1995

الثورات العربية والمصالح الأوروبية

نؤيد ما ذهب اليه الكاتب والفقيه "يونجس" إلى أن المحاولات الحذرة لتوازن المصالح أكدت أن دعم الاتحاد الأوروبي للتغيير كان أقل من المتوقع. ويدحض الكاتب ما أُثير بشأن أن "الربيع" العربي كان بمنزلة رفض حاسم للغرب، كما أن تأثير السياسات الأوروبية على الشرق الأوسط بشكل عام كان محدوداً، فلم يكن الحضور الأوروبي كمان كان في العقود الماضية، فمع أنه كان أقوى في ليبيا، إلا أنه كان أضعف في كل من مصر بعد إسقاط نظام الإخوان المسلمين، وهو ما مثَّل خسارة كبيرة للنفوذ الأوروبي في الشرق الأوسط، كما دفع إلى استمرار الانتقادات المُوجهة للسياسات الأوروبية من جانب القوى المدنية في الإقليم.

محددات الخيارات الأوروبية تجاه الشرق الأوسط

ربطت سياسات الإتحاد الأوربي بعد تواصل الثورات العربية استجابتها بحالة اللا يقين الاستراتيجية، بما جعل سياساتها الواقعية أكثر عقلانية من ناحية، ومكَّنها من إضفاء بعض التعديلات على سلوكياتها بما يتكيف مع المعطيات الجديدة التي فرضتها الأحداث من ناحية أخرى، وهو ما ساعد في تغيير السياسات الأوروبية تجاه الشرق الأوسط بعد عام 2010، وتأثير تلك التغيرات على الاتجاهات المتنوعة داخل الإقليم وكذلك المصالح الأوروبية.

خلاصة القول، إنه نتاجاً للاستراتيجيات الانتقائية التي اتبعتها أوروبا تجاه دول "الربيع" العربي، كان الأداء العام للاتحاد الأوروبي أقل تفاعلاً ونفوذاً وتأثيراً مما كان عليه في العقود الماضية، وهو تطور غير صحي في حد ذاته، سواء للعرب أو لأوروبا، في الوقت ذاته، فقد تفرقت التوجهات، وبدأ واضحا إزدواجية المعايير والمواقف تجاه كل دولة علي حدة وهو ما ينذر ايضاً بتفتت الكتلة الأوربية والتي نري بوادرها اليوم في خروج المملكة المتحدة (البريكست). لقد اختلفت الرؤية وفق المصالح، لنجد الموقف القوي والصارم والثابت والموحد كان لصالح دعم الثورة الليبية، لحد ما أنه وُصِف بأنه إتجاه متطرف وراديكالي، واذا توجهنا الي ثورتي مصر وتونس، نشاهد التباين والإختلاف، حيث أن المصالح متضاربة، والآمال والرهانات تختلف بعضها عن بعض، فلم يقم الإتحاد الأوربي بحراك واضح وشفاف وموحد، بل توجهت كل دولة فيه لرعاية مصالحها القائمة مع القاعدة والمسيطرين الجدد علي المشهد.  

أيضا، ظهور الجماعات المتطرفة بدول حوض المتوسط، وبالأخص انتقال تنظيم القاعدة بعدما اكمل دوره في أفغانستان -وفقا لمخططات سابقة تقودها بعض الدول العظمي-، وانتقال تلك الجماعات من بلد لآخر لوصولهم الي دول شمال أفريقيا وعلي مسافات قريبة من دول شمال المتوسط، وبروز جماعات متطرفة أخري وحركات متشددة كتنظيم الدولة الإسلامية "، لم يكن ذا أهمية قصوي لدي الكثير من الدول الأوربية، حيث أن أخطاره لم تكن مباشرة، وهو ما يوضح (سلبية القرار الأوربي) وهذا أحد الأسباب، والسبب الآخر، هو الإعتماد الكلي علي المنظومة الديكتاتورية لقمع تلك الحركات وخنق مسارها وإبطال فعاليتها (الإعتماد علي القمة بدلا من القاعدة. 

غير أن الثورات العربية منذ 2010 أسهمت في عدم الاستقرار، ولم يعد بمقدور تلك الدول منع تلك التهديدات، كما لم تعد تلك الدول قادرة علي مواكبة الأحداث والحفاظ علي سلامة أمنها ومن ثم الإسهام في خلخلت أمن دول الطوق وعلي رأسها دول الحوض المتوسطي، ومن النواحي الاقتصادية فهناك الكثير من الإخلالات وأهمها عنصرين لاخلاف عليهما؛ البطالة في الدول العربية وفقا لما سنقدمه من إحصائات، والهجرة غير القانونية والتي نعتبرها من الدوافع الأمنية إضافة لكونها ظاهرة إقتصادية.

تحديات جنوب المتوسط ...في مواجهة الشراكة الأورومتوسطية

التحدي الأول (البطالة)

تبين الأرقام والإحصائيات، بأن البطالة في العالم العربي في تزايد مستمر، كما تبين الأرقام الخسائر المادية والإنسانية التي تكبدتها خلال أعوام الثورة والتي تصل الي أكثر من 800 مليار دولار حتي عام 2017 في اقل تقديرات الخبراء. وقد ذكر الكاتب خالد الغالي، تحت عنوان البطالة في العالم العربي 10 أرقام مفزعة، فعلى الدول العربية أن توفر ما لا يقل عن خمسة ملايين فرصة عمل سنوياً، حتى لا يصل عدد العاطلين 80 مليوناً عام 2025. تكلّف البطالة اقتصادات الدول العربية نفقات تقدر بنحو 50 مليار دولار سنوياً، وتقدر ما نسبته 5 في المئة من البالغين سن العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هم إما عاطلون أو غير نشيطين اقتصادياً.، كما يبلغ عدد العاطلين في العالم العربي حوالي 22 مليوناً من إجمالي القوى العاملة البالغة 120 مليون نسمة، ولذا فإن معدل نمو القوة العاملة في الدول العربية من بين الأكثر ارتفاعاً في العالم، وينمو بنحو ثلاثة في المئة سنوياً. يعني هذا أن الملايين سيلتحقون بأفواج العاطلين مستقبلاً.

اما من الجوانب الأخرى، فإن الدول العربية تعاني الكثير من الأزمات المصاحبة، فالتعليم العالي لا يعني بالضرورة الحصول على عمل. حيث تقدر نسبة بطالة الشباب (ما بين 15 و25 سنة) من خريجي الجامعات والمعاهد أكبر بمرتين إلى ثلاث مرات من بطالة الحاصلين على تعليم ابتدائي فأدنى. وتؤكد الإحصائيات أن معدلات البطالة لدى الحاصلين على شهادات جامعية تتجاوز 60 في المئة من مجمل المتعلمين في الشريحة العمرية بين 15 و24 سنة.

إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي، حسب إحصائيات منظمة العمل الدولية لسنة 2015، الأولى عالمياً في بطالة الشباب بنسبة 28.2 في المئة للشرق الأوسط، و30.5 لشمال أفريقيا، بينما المعدل العالمي لبطالة الشباب هو 13 في المئة فقط.

وعلى عكس باقي بقاع العالم، حيث فوارق البطالة بين الجنسين ضئيلة، تبلغ بطالة الشابات في الوطن العربي ضعفها لدى الشبان (42 في المئة مقابل 24 في المئة). أما على المستوى العالمي، فالفارق لا يكاد يذكر، حيث تبلغ البطالة في صفوف الشابات 12.8 في المائة، وفي صفوف الشبان 12.4 في المئة.

على لائحة الـ15 بلداً في العالم، حيث تعاني المرأة من أدنى معدل مشاركة في القوى العاملة، يوجد 13 من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حسب تقرير "الفجوة بين الجنسين في العالم لعام 2015". وفي العالم العربي، تتصدّر ليبيا نسب البطالة مع 48.9%، تليها موريتانيا بنسبة 46%. وفي فلسطين، زادت نسب البطالة خلال العقدين الماضيين 19.9%، إذ كانت تبلغ 22.8% العام 1991، وصارت 42.7% في العام 2014. وتعدّ نسب البطالة في ليبيا وموريتانيا بين الأعلى على صعيد العالم.

كما أشارت مدوّنة نشرت على موقع "البنك الدولي" إلى أنّ ثلث شباب العالم عاطلون عن العمل ولا يحصلون على التعليم أو التدريب. ومن بين المليار شاب الذين سيدخلون سوق العمل في العقد القادم، فقط 40% يُتوقع أن يحصلوا على وظائف متوفرة حالياً. وسيحتاج الاقتصاد العالمي إلى خلق 600 مليون فرصة عمل في السنوات العشر المقبلة لمواكبة المعدلات المتوقعة لتوظيف الشباب.

التحدي الثاني (الهجرة غير القانونية)

أشار تقرير الهجرة الدولية لعام 2017، الذي يصدر كل سنتين عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، إلى أن 3.4٪ من سكان العالم اليوم هم من المهاجرين الدوليين. ويعكس ذلك زيادة متواضعة من نسبة قدرها 2.8 في المائة في عام 2000. وعلى النقيض من ذلك، ارتفع عدد المهاجرين كنسبة ضئيلة من السكان المقيمين في البلدان المرتفعة الدخل من 9.6 في المائة في عام 2000 إلى 14 في المائة في عام 2017.
 تمثل الهجرة الدولية مصدر انشغال أساسي بالنسبة لتنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030. وفي 19 سبتمبر 2016، ففي عام 2017، كان حوالي ثلاثة أرباع (74٪) المهاجرين الدوليين في سن العمل، أو بين 20 و 64 سنة من العمر، مقارنة مع 57٪ من سكان العالم. ولأن المهاجرين الدوليين يشكلون نسبة أكبر من الأشخاص في سن العمل بالمقارنة مع مجموع السكان، فإن التدفق الصافي للمهاجرين يخفض نسبة الإعالة، أي عدد الأطفال والمسنين، مقارنة بعدد الأشخاص في سن العمل.


 وفي أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، يكون الأثر الصافي للهجرة على النمو السكاني سلبيا في معظم البلدان ولكنه صغير نسبيا مقارنة بالتغيرات السكانية الأخرى. بيد أن الأثر السلبي للهجرة إلى الخارج في بعض البلدان النامية الصغيرة يمكن أن يكون كبيرا، ولا سيما بين البالغين في سن العمل. 

التحدي الثالث الأمني ( الإرهاب و التطرف )  

الدوافع والأسباب التي أدت الي نشؤ وتطور هذه الظاهرة العالمية، فإنني خصصت هذا الجزء لقراءة سريعة الي أهم الأرقام والإحصائات الحديثة لمعرفة   التطورات وتأثير الثورات العربية علي هذا الجانب وذلك لمعرفة السياسات التي تم إتخاذها من قبل الإتحاد من أجل المتوسط، وقياس مدي فاعليتها لمكافحة الظاهرة. 

تحت إشراف فريق بحثي وعلمي، برئاسة " سنين فلورنس " Senen Florense ، ومجموعة من الخبراء الدوليين يقدر عددهم ( 6,500) عضواً، تم إختيارهم من عدد (43) دولة عضو بالإتحاد من أجل المتوسط ( UFM) وذلك لإجراء إستفتاء في عام 2017 مبني علي ثلاث مرتكزات رئيسية، أولها: دوافع الإرهاب، وثانيها: تأثيرات الإرهاب، وثالثها: السياسات المتخذة لدفعه. لقد قام المعهد الأوربي المتوسطي بإجراء عدد سبع إستفتاءات سابقة، وإننا بصدد دراسة الإستفتاء الثامن وذلك لتقييم آخر التطورات والإنجازات، ومعرفة السياسات المتخذة تجاه ظاهرة التطرف بصفة عامة. 

التطرف والإرهاب 

المحور الأول: الدوافع التي تؤدي الي التطرف: 

حيث كان السؤال يشير بوضوح الي ما هو المناخ الجيد لقيام دعاة التطرف لتحويل الأفراد الي متطرفين؟ وقد أشارت الإحصائات الخاصة بدول جنوب وشرق المتوسط، بأن السبب الرئيس في تلك التحولات: هي المجتمعات الدينية بنسبة تقدر 16.4%، والتعليمية بنسبة تقدر 5.4% وفق تقديرات جنوب وشرق دول المتوسط. 

ومن خلال البيانات نجد بأن أعلي المؤشرات تذهب الي أن الدافع الرئيس هو " مناطق التوتر والصراع"، ومن ثم المراكز التعليمية. وهذا مؤشر حقيقي لتداعيات والتأثير المباشر للثورات العربية والصراعات المتفرقة بين كافة الجماعات المسلحة بمناطق التوتر في جنوب المتوسط وتحديدا الدول العربية، في خلق نوع من عدم الاستقرار بالمنطقة متمثلا بكافة أنواع التطرف اليميني أو اليساري أو الديني أو العرفي. 

كما ذهب السؤال الثاني في الإستفتاء المشار اليه الي معرفة أي الدول ستكون عرضة او تستمر عرضة للتطرف في السنوات القادمة؟ 

وتبين المؤشرات أيضا بأن مناطق الصراع " الربيع العربي والثورات " قد تستمر، ومن ضمن تلك المناطق سوريا وليبيا (حالة حرب الآن)، كما تؤكد المؤشرات بأن دول الربيع العربي ( سوريا – ليبيا – مصر ) قد يستمر الصراع القائم رغم فوارق المؤشرات بين كل من سوريا من جهة وهي مؤشرات عالية مقارنة مع  وليبيا ومصر من جهة أخري. 

كما ذهب الإستفتاء في محوره الثاني الي تأثير العنف والتطرف، بالأخص في تهديد أمنه وإستقراره وتداعياته علي مشروع الأورومتوسطي، 

وبهذا، يحتل التطرف الإسلامي المركز الأول في تهديد أمن المتوسط والشراكة الأوربية-العربية، وهذا ما أشرنا اليه في بحثنا معتبرين أن الإرهاب واختلاطه بالهجرة غير القانونية أصبح يشكل التحدي الأول والمباشر والأولوية في ملف الشراكة  بدلا من أولويات سابقة كــ "الصراع العربي الإسرائيلي". 

ذهب الإستفتاء الي القسم الثالث، والمتمثل في الجهود المبذولة في مكافحة التطرف ومواجهة الإرهاب، فنجد أن هناك رضا من الجانب الأوربي وبالأخص في إيطاليا وإسبانيا، واقل منه في فرنسا، كما أن الدول العربية كالجزائر والمغرب تري بأن الجهود المبذولة تحقق رضا كبير في هذا الجانب ( وهذا لبعد تلك البلدين عن الثورات العربية " في ذلك الوقت، (غير أن الأحداث الأخيرة قد تغير وجهة النظر حالياً بعد الدخول في منعطف الثورة والبحث مجدداً علي (الاستقرار والانتقال والتحول). 

ومن هنا يتوجب السؤال عن ما هي أهم مسببات الظاهرة ( التطرف )، وذلك لوضع خطط و اليات صحيحة لمكافحته، وقد ذهب الإستفتاء الي جوانب عديدة  وتحديات ومنها التحول الي الديمقراطية وحقوق الإنسان، ووضع حد للصراعات والخلافات، وتطوير منظومات المخابرتية بين أعضاء الدول، والمبادرات المحلية الوطنية، والحل العسكري للمواجهة، والتطرف في وجه التطرف من خلال  وضع حد لخطابات الحقد والعنصرية. 

وقد أوضح الإستفتاء من خلال البيانات المذكورة بأن السبيل العسكري لا يحل مشكلة التطرف والعنف، كما اعتبر المبادرات المحلية غير ذات جدوي ولن تكون بديلا للمشاركة الدولية في مكافحة الظاهرة. 

وختاماً،،،


إن كلا الجانبين  الشمالي والجنوبي غير مستعد للإنغلاق والإكتفاء، فالإتحاد الأوربي رغم قوته المتعاظمة وخطواته التكاملية المتسارعة، الا أنه يبقي في حاجة ملحة الي جيرانه بالضفة الجنوبية، لتغذية نفوذه السياسية والإقتصادية والبحث عن عمق إستراتيجي دائم. 

أيضا، فإن الدول الجنوبية للمتوسط، غير قادرة علي الإكتفاء الذاتي في جميع مجالاتها-رغم توفر الإمكانات- كما أنها في حاجة ملحة لتصحيح الأوضاع السياسية والإقتصادية والتقنية لتلحق بركب الدول المتطورة. 

علاوة علي الاقتراب التقليدي للإقليمية، والتقارب الجغرافي، فثمة اقتراب برجماتي يقوم علي المصالح المشتركة بين ضفتي المتوسط لمواجهة التحديات والمستقبل وتأسيس إقليمي متماسك. لم تعد التفاعلات الإقليمية معتمدة فقط علي المصالح الاقتصادية، أو الجغرافيا السياسية Geopolitics، وإنما تعتمد أيضا علي الهويات والقيم المشتركة. ورغم كسر الربيع العربي لكثير من التابوهات السياسية علي مدي ما يزيد علي نصف قرن منذ استقلال الدول العربية، فإن بناء أمن إقليمي في المتوسط يقتضي التحرك علي مستويين؛ ثنائي وإقليمي؛ وتفعيل الكثير من البرامج العربية المشتركة.

كما يمكن لدول الضفة الجنوبية أن تستغل الظروف التي تمر بها أوروبا حاليا مع تصاعد قوة كــ روسيا  و الصين ودعوة أوروبا إفريقيا لترقية الحوار إلى تحالف استراتيجي بين القارتين من اجل إفتكاك مكاسب اكبر، هناك أيضا تحديات أخري تتنظر مستقبل الشراكة الأوربية العربية، او الإتحاد من أجل المتوسط المنعش، أو الأرومتوسطي، حيث يشير الباحث   "دورثي سكيمد " Dorothee-schmid بالمركز الفرنسي للبحوث الدولية بأنه حان الوقت للأرومتوسطي لإعادة التفكير، تطرق من خلالها للعديد من التحديات والعثرات للشراكة الأورو-متوسطية، التي وصفها بأنها باخرة غارقة معتبراً بأن السياسة يجب أن تكون ضمن محاور وابعاد الشراكة والا سيواجه المشروع إخفاقات قادمة.