لا شك أن مرحلة التعليم الجامعية تعد تتويج لكل مراحل التعليم التى تسبقها بما أنها أخر مراحل التعليم الاساسى، و اخر التعامل النظرى مع الطالب قبل بدء الدخول فى المرحلة التالية و دخول الطالب الى سوق العمل، كما أن بأنتهاء مرحلة التعليم الجامعية ينتقل بعدها الطالب الى الخدمة العسكرية و مرحلة التجنيد بالجيش و تلك الفترة التى يقضيها الفرد بالزى العسكرى تعد واحدة من أكثر المراحل التى تعد الفرد نفسيا و فكريا و بدنيا لمواجهة أى تحديات سواء فى الحياة  العسكرية أو حتى خارج الحياة العسكرية لما تملكه الجيوش الوطنية من عقيدة فكرية و أنتماء للوطن، و تنفيذ أسمى المهام الا و هى حماية الاوطان، و كل ما ذكرته شئ طبيعى لا جديد فيه و لكن تحولت فى الفترة الاخيرة الجامعات فى العديد من دول المنطقة بصفة عامة و شمال أفريقيا بصفة خاصة و بكثافة عالية فى كلا من مصر و تونس بالتحديد الى بؤر أجرامية، و بدلا من أن تكون الجامعات دار للعلم و نشر الفكر البناء الذى يؤهل الشباب لبناء الاوطان الى دار للارهاب و نشر الفكر المتطرف، حتى صارت المرحلة التالية لمرحلة التعليم الجامعى هى مرحلة التجنيد فى الجامعات الارهابية المتطرفة صاحبة الفكر القاعدى بدلا من مرحلة التجنيد بالجيش لاداء الخدمة العسكرية .

 

و مع بدء العام الدراسى الجديد و مع أولى ايام الدراسة بكلا من القاهرة و تونس، كان الوضع مشتعل بالجامعات حتى تم الاعتداء من قبل طلاب جماعة الاخوان الارهابية و باقى التنظيمات المتطرفة التى خرجت كلها من عباءة الاخوان على أفراد الامن بعد حرق منشأت الجامعة و الاعتداء على باقى الطلاب .

 

حيث قامت وزارة الداخلية التونسية بتفكيك خلايا أرهابية تديرها " فاطمة الزواغي " الطالبة بكلية الطب، و تعمل تلك الخلية كجناح أعلامى لجماعة أنصار الشريعة المحظورة بتونس و التى تعد كذراع عسكرى لجماعة الاخوان داخل ليبيا، كما عثر مع تلك الطالبة على مخطوطات لاغتيال سياسيين تونسيون معارضين لحركة النهضة و فكر جماعة الاخوان، بجانب مخطوطات تشير لمحاولات تفجير موكب وزير الداخلية " لطفى بن جدو " بجانب أكتشاف العديد من الطلاب الذين يعملون كعناصر لتجنيد الشباب و نشر الفكر المتطرف بينهم لكى تكون محطة تمهيدية بعد ذلك لارسالهم لسوريا للانضمام الى صفوف تنظيم داعش .

 

فعلى مادار العام السابق كانت الكتب ذو الطابع المتشدد تغزو الجامعات التونسية بشكل ملحوظ حتى بدئت الانشطة الدعوية تعمل داخل ساحات الجامعات بشكل علنى، و باتت أفكار أقامة الدولة الاسلامية و مناهضة العلمانية و قتال كل من يقف ضد تلك الرؤية أمر مرحب به لدى العديد من الشباب فى تلك المرحلة الحرجة .

 

و كانت الصدمة لدى الشارع التونسى و العربى بعد تصريح المتحدث بأسم وزارة الداخلية التونسية " محمد على العروى " و الذى أشار فيه الى دور الطالبة " فاطمة الزواغى " بنت العشرون عاما كحلقة وصل بين تنظيم أنصار الشريعة و كتيبة عقبة بن نافع المتواجدة حاليا بجبال الشعانبى، بجانب دورها فى الاشراف على ادارة صفحات كلا التنظيمين على مواقع التواصل الاجتماعى و شبكات الانترنت، بجانب علاقاتها المباشرة مع زعيم تنظيم أنصار الشريعة الهارب " سيف الله بن حسين " و زعيم كتيبة عقبة بن نافع " خالد الشايب " .

 

فالتحول الجذرى الذى نراه الان بجامعات تونس لم يأتى صدفة فمن يتأمل شكل طلاب جامعات تونس بعد الربيع العبرى و مع بدء العام الدراسى بعام 2012م سيجد التحول فى المظهر و الفكر لدى قطاع كبير من الشباب حتى بدء المظهر و الفكر القندهارى يتغلب بعض الشئ على تونس بورقيبة التى نعرفها .

 

و بالقاهرة لم يختلف المشهد كثيرا ففى الوقت التى تضغط فيها الولايات المتحدة الامريكية على القيادة السياسية المصرية الحالية للمشاركة فى التحالف الدولى و الانذلاق فى مستنقع مواجهة داعش بريا بالوكالة عن صانعى داعش أنفسهم، بجانب بدء شن حملات صحفية من صحف أمريكية أبرزها النيويورك تايمز للهجوم على النظام المصرى الحالى بأستخدام كلمتها المعتادة فى الدفاع عن الحريات و الديمقراطية فى الشرق فهو السيف الذى تسلطه الولايات المتحدة على كل نظام لا يسير على هواها، الى الخطوة الحالية التى اقبل عليها مركز جيمي كارتر بعد أن اعلن غلق مكتبه فى القاهرة كضربة استباقية قبل أجراء و تنفيذ أخر مراحل خارطة الطريق المصرية التى وضعت من القوى المصرية الوطنية مع القوات المسلحة يوم 3 يوليو 2013م بعد عزل " محمد مرسى " و هى الانتخابات البرلمانية القادمة .

 

كل تلك المشاهد المأساوية تحتم علينا أعادة النظر الى حال التعليم أولا و ما يدرس من مناهج لابنائنا فى الصغر و فى أولى مراحلهم التعليمية، هل تلك المناهج تناسب ما يدور حاليا من تطور على مستوى جميع الاصعدة فى العالم كله، هل تلك المناهج قادرة على بناء فرد يستوعب حجم التحديات التى تواجهها أوطاننا . بمن ينظر لوضع الجامعات الحالى لجميع دول المنطقة عامة و لدول شمال أفريقيا خاصة سيجد أن الجامعات أصبحت المرحلة الاخيرة قبل تجنيد الطلاب بالجماعات المتطرفة الجهادية خارج البلاد بدلا من التجنيد بجيش الوطن و الالتحاق بالخدمة العسكرية، فقد أصبحت الجامعات نقطة تحويل مسار الطالب عن خط سيره الطبيعى لاكمال واجباته نحو الوطن لكى يطعن الوطن نفسه بعد ان يتغذى بكل أفكار التطرف ضد ابناء وطنه و أهله .  

 

 

الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]