عبد الستار العايدي

في ظل متابعة عن كثب من الاتحاد العام التونسي للشغل، يؤكّد رئيس الجمهورية قيس سعيد في كل لقاء سواء مع الوفود الأجنبية أو الشخصيات السياسية والوطنية التونسية أنه "ليس من دعاة الفوضى والانقلاب، مجدّدا التزامه باحترام الحريات والحقوق وثباته على المضي في المسار الواضح الذي رسمته إرادة شعبية واسعة" .

كان اتحاد الشغل من أول المنظمات التي عبّرت عن مساندتها لقرارات قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021 و ذلك بتحفظات تعلّقت بضرورة وضع خارطة طريق واضحة و تحديد سقف زمني لهذه الإجراءات الاستثنائية ، وتزامن مقترح المنظمة الشغيلة في الوقت الذي تحاول فيه بعض الأحزاب السياسية الضغط على رئيس الجمهورية لدفعه للتراجع عن قراراته و من بينها حركة النهضة و حزب قلب تونس الذي أصبح اللوبيينغ و الاستقواء بالأجنبي خبزهم اليومي.

ورغم تأكيد قيس سعيد المتكرّر بإحترامه للدستور والحريات العامة والقانون دون الافصاح عن رؤيته المستقبلية لوضع البلاد السياسي التي أحاطها بالغموض والتكتّم سواء في تعيين رئيس حكومة جديد أو وضع نواب البرلمان الذين تم تجميد نشاطهم دون تحديد آخر أجل لذلك وغيرها من الملفات المتراكمة على طاولته، دفع بالاتحاد العام التونسي للشغل لإعلان موقفه الحقيقي مما يحدث على لسان قيادته الأمين العام نورالدين الطبوبي خلال إشرافه على حفل تكريم الناجحين من أبناء إطارات وأعوان ودادية الشركة الجهوية للنقل بنابل الاثنين 13 سبتمبر موجّها خطابه لقيس سعيد، "إذا سرتم في الخط الوطني وحافظتم على مسار الدولة المدنية الاجتماعية لن تجدوننا إلا جنودا في خدمة الوطن أما أن حدتم عن هذا الخط فنحن متعودون على المعارك، مضيفا "إننا جاهزون لها ونخوض معارك مضامين لا معارك وهمية، ومن يسعى لضرب الاتحاد ليتفضل".

هذا الموقف السياسي الذي أعقب  ما أعلن عنه مستشار رئيس الجمهورية وليد الحجام الذي كان قد صرح لرويترز، الخميس 9 سبتمبر 2021، أن "هناك اتجاهًا لتغيير النظام السياسي في البلاد وربما عبر استفتاء"، مشيرًا إلى أن "الدستور الحالي أصبح عائقًا أساسيًا ويُفترض تعليقه ووضع نظام للسلطات المؤقتة"، إلى جانب عدم وضوح موقف قيس سعيد بخصوص خارطة الطريق التي قدمها الاتحاد العام التونسي للشغل للخروج من الأزمة السياسة والدستورية والاقتصادية والإجتماعية التي تعصف بالبلاد والتي نشرها بتاريخ 10 سبتمبر 2021، أو من الممكن أن يكون قد رفضها ليعلن بعدها قيس سعيد في تصريح إعلامي بتاريخ 12 سبتمبر 2021 "إن "الدساتير ليست أبدية ويمكن إحداث تعديلات تستجيب للشعب التونسي" ملوّحا بذلك بإمكانية تعديل دستور 2014. وليؤكد موقفه، قام قيس سعيد بإستضافة عدد من أساتذة القانون بتاريخ 14 سبتمبر 2021 وعرضه لتصريحات بورقيبة ضمن وثيقة تاريخية  تؤكد إمكانية تعديل الدستور، منتقدا من يدّعون الدفاع عن الدستور متهما إياهم بالصمت أمام عمليات النهب والسرقة للبلاد، وأنه لن يسير معهم في نفس الطريق.

موقف واضح يعلنه قيس سعيد أنه يرفض كل المبادرات التي من شأنها أن تجعله يتراجع عن تصريحاته السابقة بعدم "العودة للوراء" والسماح لحركة النهضة وغيرها من العودة للمشهد السياسي وإعادة نفس سيناريو الأزمة السابقة، طرح سيفرض على إتحاد الشغل أن يجعل من الملفات العالقة سيوفا سيستغلها لفرض سياسة الأمر الواقع أمام الأمور الاقتصادية والإجتماعية الخانقة، وقد تأكد ذلك في تصريح إعلامي سابق للطبوبي بتاريخ 05 أوت 2021 ، حول ملف الزيادات في الأجور والظروف المعيشية للمواطن التونسي الذي أفصح فيه بالقول " لا يوجد أي هدنة اجتماعية والهدنة تكون في الحروب ونحن لسنا في حرب ومن يريد خلق مناخات اجتماعية سليمة عليه الالتزام بالتعهدات والالتزامات خاصة أن ظروف العمال صعبة ونحن لا نطالب بزيادات في الأجور وإنما تعديل للمقدرة الشرائية."

وبين السياسة والموقف من الوضع الاجتماعي، تهديد مخفي في تصريحات الطبوبي في تصريحات مصاحبة بتاريخ 05 أوت 2021 بأن من أسقط النظام السابق، ويقصد الاتحاد العام التونسي للشغل، له القدرة على إسقاط أي نظام آخر ولن يكون رمز تهديد لأي شخص إختاره الشعب، وأن الاتحاد هو أحد أسس إستقرار تونس وذلك حسب قوله "خلال الثورة في سنة 2011 انهار النظام كله لكن اليوم النظام لم ينهار ورأس السلطة منتخب مباشرة من الشعب في رمزية رئيس الجمهورية وهو من سيقود البلاد ويقدم لنا رؤيته وعلى ضوء ذلك الاتحاد سيبني موقفه". 

خلال هذا الصراع الخفي من الممكن أن يلجأ مرة أخرى اتحاد الشغل لفرض ورقته القوية مستقبلا، التحركات الاحتجاجية والاعتصامات التي بدأت تطفو إلى السطح مؤخرا حول مطالب حياتية بسيطة في بعض الجهات، ولكن في ظلّ التوجه الغامض محمولا بعنصر المفاجأة لرئيس الجمهورية قيس سعيد والذي يسانده قطاعات كبيرة من الشعب التونسي بما في ذلك الناشطين في العمل النقابي وعدم رغبة قيادات اتحاد الشغل عودة الإخوان او رموز النظام السابق وأتباع نظام بن علي للمشهد السياسي سيفرض على نورالدين الطبوبي تطبيق سياسة الحرب الباردة في إنتظار ما سيفرج عنه المشروع المستقبلي لقيس سعيد .

كل منهما، قيس سعيد وإتحاد الشغل، تشير بوصلته إلى مصلحة تونس العليا وحقوق ومطالب الشعب والحفاظ على التجربة الديمقراطية الناشئة في تونس، وبين خارطة طريق تشمل الجميع وخارطة طريق ليس بها فساد للمشهد السياسي، لازال الشعب التونسي منتظرا بين مؤيد ومعارض لهذا الوضع القائم، ولكن حين قيام ساعة الحرب المعلنة بين اتحاد الشغل وقيس سعيد مع من سيقف الشعب التونسي؟