جماعة «بوكو حرام»، ذلك التنظيم الإرهابي المجرم الذي يعيث في الأرض فسادا ويقوم بأعمال في منتهى الإجرام والعنف في نيجيريا، وآخرها خطف أكثر من مائتي فتاة مدرسية وعرضهن للبيع في مزاد، كل ذلك تحت راية الدين الإسلامي وباسمه، هذا التنظيم ينضم في هذا الشأن لأسماء أخرى لها نفس التوجه الإرهابي والإجرامي مثل «القاعدة» وطالبان وداعش والنصرة وحزب الله وكتائب أبو العباس وجيش المهدي ومنظمة الجهاد. ولن تكون هذه أول، وحتما آخر، مقالة عن هذه المجاميع الإرهابية، فالحديث عنها سيظل مستمرا حتى يتم الخلاص منها إذا أمكن.
حتما المشكلة كبيرة، وخروج هذه المجاميع بهذا الشكل المستمر وحصريا في هذه البقعة من العالم بأعداد كبيرة يدعو لوجوب دراسة عميقة للموضوع. وهنا أتذكر حوارا كان بيني وبين صديق من مصر كان آتيا للتو من زيارة إلى تركيا وكان بطبيعة الحال مبهورا للغاية بسبب ما رآه من تقدم مذهل في كافة المجالات الحضارية والتنموية والصناعية والتعليمية، وطبعا انعكاسات كل ذلك على ثقة ومحبة الأتراك لبلادهم، وأصيب وهو يتحدث بحسرة أكبر خصوصا حينما بدأ في المقارنة بين وضع تركيا الحالي ووضع بلاده مصر. فهو كان يقول لي إن عدد سكان البلدين متقارب جدا، والبلدان من دول العالم الثالث، والبلدان دولتان مسلمتان، وبالتالي لهما نفس الخصائص الأساسية، ولكن هنا تفتق ذهنه عن نقطة مفصلية في المقارنة بين الوضعين وقال: «آه ولكن هناك فرق بين من غزا ومن اتغزا»، قلت له: لم أفهم؟ قال: الأتراك كدولة عثمانية غزوا وفتحوا العالم من شرقه إلى غربه فاختلط بشعوب الأرض وحضارات وثقافات وعلوم العالم ونقلها إلى بلاده فأثراها وطورها ووسع آفاقها، بينما المصريون كمجتمع زراعي حذر يتمسك بالطين والأرض لم ينتشر خارج حدوده الجغرافية حتى عندما كان الفراعنة أقوى قوى العالم لم يخرجوا خارج تلك الحدود التقليدية المعروفة، وبعدها تعرضوا لموجات متواصلة من الغزو الروماني والبيزنطي والفرنسي والبريطاني وغيره، وكانوا «يتلقون» بالإكراه ما يبقى عندهم جراء الغزو، فحرمهم من الثقة التي تتولد مع الانطلاق والانفتاح على العالم. وهي نفس المسألة التي شعر بها وأحس بها الإمام الأزهري المجدد محمد عبده عندما زار أوروبا في بداية القرن العشرين وقال عبارته الشهيرة: «زرت بلادا فيها إسلام بلا مسلمين وعدت إلى بلاد فيها مسلمون بلا إسلام». هذه الإضاءة بالغة الأهمية والوجاهة في كلام الإمام محمد عبده هي أنه يرى في ذلك العالم الخير العظيم ويحث على الانفتاح عليه للتعلم والاستفادة منه، على العكس مما حصل مع زعيم الإخوان المسلمين ومنظرهم الأهم في تاريخهم سيد قطب عندما درس في الولايات المتحدة عاد بانطباع شديد السلبية وأعلن في كتابه ضرورة تكفير المجتمعات واعتبار حتى المجتمعات المسلمة منها مجتمعات جاهلية يجب محاربتها ورفض التعامل مع المجتمع الكافر تماما، وكان ذلك أهم انطلاقة في الفكر المتطرف بصورة دموية وعنيفة ومسلحة ضد الأبرياء، وحتى هذه اللحظة لا يزال العالم الإسلامي بشكل أساسي يدفع فاتورة هذا الأمر.
لا يزال العالم الإسلامي مترددا في «غسل» الإرث الفكري الذي تسبب في انتشار هذه المسألة، إذ لا يزال يعتبر بعض الأفكار وبعض المفكرين في مكانة أشبه بالمقدسة ومن غير الممكن الاقتراب منها، وهذا لعمري مسألة غريبة، ففي الوقت الذي يتم فيه «تحقيق» أحاديث منسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن الاقتراب من كلام ومؤلفات بعض المشايخ والعلماء.
إلى أن يتم الفصل في هذه المعضلة سنظل نعاني من وحل الجهل والتعصب، وبالتالي الإرهاب.

نقلا عن الشرق الاوسط