وتحت ضغط الديون الخارجية وازدياد عجز الموازنات ، قامت البلدان النامية بإجراء تغييرات على مستوى سياسات الاقتصاد الكلي، وهذا ما شهدته فترة الثمانينات من القرن الماضي في حصول توجهات سياسية واقتصادية على مستوى العالم كله وخاصة البلدان النامية، وأصبح اهتمام مخططي الاقتصاد عندئذ ينصب على كيفية تحويل الاقتصاديات الخاضعة لهيمنة القطاع العام إلى اقتصاديات توجهها قوى السوق.

 حولت الحكومة إلى السمسرة في الوظائف مستغلة البطالة التي يعانى منها الشباب لتنافس بذلك شركات التوظيف التي تعلن عن فرص وهمية للشباب بهدف جمع أموال منهم.  فقد تلاعبت الحكومة بأحلام الشباب بالإعلان عن فرص عامل شاغرة في الجهات والهيئات الحكومية، ورغم أن الإعداد المطلوبة في الوظائف لا تتجاوز 100 فرد في العديد من إعلانات الوظائف إلا أن المتقدمين لها يتجاوز آلاف الشباب العاطل الذي يبحث عن فرص عمل.إن هذا الاستغلال الحكومة لأحلام الشباب في البحث عن وظيفة من أجل جمع المال واستخدام الوظائف كأحد أدوات سد عجز الموازنة الذي وصل إلى 240 مليار جنيه عجزا في موازنة العام المالي الحالي. وإذا كان بعض من هذه الإيرادات الضخمة التي تحصل من خلال بيع الاستمارات أو تحصيل رسوم بلا سند من المتقدمين للوظائف يذهب بشكل رسمي إلى خزانة الدولة، فهناك نسبة كبيرة من هذه الإيرادات مجهول الصرف ولا يخضع لرقابة أو ضوابط كونه محصل بدون سند.  

    إن الأزمة هي نتاج مجموعة من العوامل المتتابعة والمتراكمة، تغذي كل منها الآخر إلى أن تصل إلى حالة الانفجار1. و يمكن تعريفها على أنها تلك التذبذبات التي تؤثر كليا أو جزئيا على مجمل المتغيرات المالية ، حجم الإصدار، أسعـار الأسهـم و السندات، و كذلـك اعتمادات الودائع المصرفية، و معدل الصـرف. و عادة ما تحدث الأزمات المالية بصورة مفاجئة نتيجة لأزمة ثقة في النظام المالي مسببها الرئيسي تدفق رؤوس أموال ضخمة للداخل يرافقها توسع مفرط و سريع في الإقراض دون التأكد من الملاءة الائتمانية للمقترضين، وعندها يحدث انخفاض في قيمة العملة، مؤديا إلى حدوث موجات من التدفقات الرأسمالية إلى الخارج. والأخطر أن الإعلانات عن الوظائف الحكومية تفتح الباب أمام الوسطة والمحسوبية والفساد، حيث يتخذ بعض كبار الموظفين والمسئولين والسماسرة من هذا الموضوع مجالا للبيزنس، عن طريق تحصيل مبالغ طائلة من الشباب الباحث عن فرصة عمل مقابل تسهيل قبولهم في الوظيفة المعلن عنها.

على بوابة الحكومة المصرية هناك 26 جهة حكومية ووزارة لديها فرص عمل حكومية بعضها أما ينتظر الإعلان عن نتيجتها أو وظائف أخرى تجرى الاختبارات بها أو وظائف معلن عنها من اجل التقدم لشغلها، وبحسب بوابة الحكومة المصرية التابعة لمجلس الوزراء فان معظم هذه الوظائف في المناصب القيادية. وبالرغم من استمرار شكاوى الحكومة من تضخم الجهاز الإداري للدولة حيث يوجد به حوالي 6 مليون موظف والحكومة ليست في حاجة لعمال أو موظفين جدد إلا أنها تتلاعب بأحلام الشباب وتعلن عن وظائف جديدة. وكانت أشهر الوظائف التي تم الإعلان عنها هذا العام هي وظيفة معلم بوزارة التربية والتعليم حيث طلبت الوزارة 30 ألف معلم فقط بينما تقدم لهذه الوظيفة حوالي مليون و800 ألف متقدم بحسب بيانات وزارة التربية والتعليم.

 وحظيت وزارة العدل بنسبة أيضا من عدد الوظائف الحكومية حيث تم الإعلان عن حاجتها إلى شغل وظائف خالية في المحاكم الابتدائية بجانب الشهر العقاري وبعض الهيئات التابعة للوزارة، وفي الإعلان رقم 1 لسنة 2014 الخاص بوزارة العدل طلبت الوزارة كافة الشهادات سواء مؤهلات عليا أو متوسطة أو شهادة محو أمية لتضمن بذلك تقدم اكبر عدد ممكن وزيادة حجم الموارد، حيث طلبت من كل متقدم إيداع مبلغ 20 جنيها لحساب وزارة العدل في بنك القاهرة وذلك ضمن مجموعة الإجراءات والأوراق التي طلبتها الوزارة. الأمر نفسه تكرر في عدد من الوزارات ومن بينها قيام وزارة الموارد المائية والري بالإعلان عن حاجتها إلى 800 مهندس مدني وكهربائي وميكانيكا وتقدم لهذه الوظائف ما يقرب من 17 ألف و500 مهندس وبحسب تقديرات عدد من خبراء الاقتصاد يقترب حجم الموارد التي تجمعها الدولة من الإعلان عن وظائف حكومية من حوالي 3 مليارات جنيه في العام نتيجة لتقدم عدد كبير من الشباب للوظائف التي يتم الإعلان عنها خاصة في ظل ارتفاع نسبة البطالة التي تصل إلى 13 % بجانب تكاليف استمارات التقدم والدمعات والدورات التدريبية التي يشترط الحصول عليها قبل التعيين وغيرها من الإجراءات.

إن الجهاز الإداري للدولة يعانى من خلل كبير بسبب تزايد عدد الموظفين وارتفاع أعمارهم بجانب وجود عدد كبير من الموظفين الأمر الذي يؤكد أنه هناك عدم حاجة إلى وظائف جديدة إلا في بعض الأحيان بعض الجهات إلى أعداد لا تتجاوز العشرات. لان  الحكومة أعلنت بعد الثورة عن إجراءات تلقي طلبات التوظيف وكان قرارا سريع وغير مدروس لعدم حصر الفرص المتاحة من الأساس وانتشر وقتها بيع الاستمارات في الشوارع، مؤكدا في الوقت ذاته أن الموارد التي تجمعها الحكومة يجب أن تستخدم في تطوير هذه المصالح الحكومية التي لاتزال تعمل بأنظمة قديمة ولا يوجد بها أي تكنولوجيا وخاصة مكاتب الشهر العقاري.ولفت إلى أن الوظائف الحكومية تحولت إلى أساليب للرشوة وشراء أصوات الناخبين في بعض الدوائر مقابل التعيين في وظيفة حكومية لان الوساطة والمحسوبية لاتزال تسيطر على التعيين في الوظائف الحكومية.

          وقد أدت هيمنة القطاع العام على الاقتصاد إلى نتائج سلبية عديدة، أبرزها تباطؤ النمو الاقتصادي للبلدان النامية، والارتفاع الحاد في الإنفاق الحكومي وحدوث اختلالات مالية شديدة، انخفاض مخصصات الاستثمار، وتقييد مشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية، والبطالة المقنعة.. إلى غير ذلك من المشاكل والأزمات التي وصلت إلى حد ينذر بالخطر. عد جريمة استثمار الوظيفة من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، وقد أفرد لها المشرع الأردني نصوصاً تبين ماهيتها وصورها وعقوباتها،

 ، باعتبارها من الجرائم التي تقع على الإدارة العامة، حيث أدرجها في الفصل الأول منه، والمعنون بالجرائم المخلة بواجبات الوظيفة، وذلك بالنظر إلى ما ينجم عن ارتكاب هذه الجريمة من آثار وأضرار، على الفرد والمجتمع من ناحية، وعلى الوظيفة العامة ونزاهتها وحيادها من ناحية أخرى إن  جريمة استثمار الوظيفة وإذا كانت جريمة الاختلاس تقتضي حيازة الموظف العام لما اختلسه، وإذا كانت جريمة الرشوة تقتضي طلب أو قبول النقد أو العين أو المنفعة إزاء القيام بعمل حق أو غير حق، وإذا كانت جريمة إساءة استعمال السلطة تتطلب استعمال السلطة والنفوذ بغير وجه حق، أو التهاون بالقيام بواجبات الوظيفة، فإن جريمة استثمار الوظيفة لا تقوم إلا بتحقق صور معينة، تشكل في مجملها أركان هذه الجريمة، كاقتراف غش في إحدى معاملات الإدارة من قبل الموكل إليه القيام بإحدى هذه الأعمال، أو لدى مخالفته الأحكام التي تسري عليها، إما لجر مغنم ذاتي، أو مراعاة لفريق أو إضراراً بالفريق الآخر، أو إضراراً بالإدارة العامة.

 وكذلك فإن ، حصول الموظف على منفعة شخصية من إحدى معاملات الإدارة التي ينتمي إليها، سواء فعل ذلك مباشرة أم على يد شخص مستعار، أم باللجوء إلى صكوك صورية، وتتحقق هذه الجريمة أيضاً إذا أقدم ممثلو الإدارة وضباط الشرطة وغيرهم بأي صورة كانت على الاتجار ضمن مناطق اختصاصهم ببعض السلع والحاجات الضرورية التي حددها المشرع بالنص. مع العلم بأنة يوجد تسعة آلاف مشروع متعثر بالصندوق من إجمالي 865 ألف مشروع يقوم الصندوق بتمويلها بإجمالي تكلفة تصل إلى ثمانية مليارات جنيه لكل المشروعات.

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية