بات واضحا أن ما يدور في ليبيا حاليا ليس أكثر من صراع إرادات دولية عرفت منذ البداية كيف تسقط بلدا عربيا في متاهات الفوضى لتجهز عليه لاحقا بسكين التقسيم الى دويلات أحداها دولة الغرب تحت سيطرة بريطانيا ودولة الجنوب تحت سيطرة فرنسا ودولة الشرق التي سيتم إخضاعها لواشنطن بطلب إسرائيلي من أجل التضييق على مصر  في إطار تخطيط إستراتيجي لخنق كل القرى العربية المؤثرة 

ويبدو الموقف البريطاني واضحا في هذا الإتجاه، حيث أن لندن التي كانت حاضنة وراعية وداعمة لقوى الإسلام السياسي وعرّابة تنظيم الإخوان منذ أن أشرفت على تأسيس باكورته الأولى في مصر  على يد حسن البنا في العام 1928 ، هي التي تقود اليوم مشروع فصل طرابلس من خلال إعترافها غير المباشر بميلشيات فجر ليبيا التي تتمركز قيادتها في مصراتة ، ومن خلال تصريحات مندوبها   لدى الأمم المتحدة، والتي قال فيها إن مليشيات مصراتة تحارب بمفردها الإرهاب، وبأنها الوحيدة التي بمقدورها مواجهة متطرفي داعش.

وبحسب بعض المصادر الديبلوماسية فإن بريطانيا التي كانت على علاقة تاريخية بإقليم برقة تغيّر وجهتها هذه المرّة الى إقليم طرابلس لقطع الطريق أمام الإيطاليين ، وهي تعتمد على ميلشيات مصراتة في خطة الإستيلاء على منطقة الهلال النفطي في الوسط وكذلك على منابع للنفط والغاز في الحمادة الحمراء ، إضافة الى الحديث عن حقول من الغاز في سواحل طرابلس يمكن أن تمثّل رصيدا مهما للمستقبل ، بينما لا يرى إخوان ليبيا أي مانع في تنفيذ المخطط البريطاني نظرا لطبيعة العلاقات الراسخة بينهم وبين المخابرات البريطانية والتي تجد دعما من قبل دولتين ذات تأثير محوري في الوضع الليبي وهما تركيا وقطر ، 

وبحسب المراقبين فإن ما يهم لندن حاليا هو تهميش البرلمان والجيش والحكومة الليبية ، وؤفشال مشروع المصالحة الوطنية والعفو الشامل وعودة المهجرين بعد أن قدّم الإخوان عبر عرابيهم الإقليميين مؤشرات تدل على أنهم سيتعرضون للتهميش السياسي في حال تنظيم اية انتخابات ديمقراطية بعد المصالحة الوطنية ، كما أن إجتماع الليبيين يعني إفشال خطة التقسيم التي يتم الاعداد لها في كواليس السياسة الدولية بمشاركة أطراف ليبية وعربية ذات مرجعيات دينية ولها صلات وطيدة بميلشيات مصراتة المرتبطة بالدوحة وأنقرة ولندن وواشنطن 

ويعتقد جل المراقبين أن الملف الليبي يخضع حاليا للإشراف البريطاني المباشر وأن الدور الأمريكي محدود ،وأن واشنطن كلفت منذ البداية ثلاثة عواصم هي لندن والدوحة وأنقرة بترتيب الوضع الليبي والقطع نهائيا مع كان قائما في عهد العقيد الراحل معمر القذافي 

ولكن هل هناك حل آخر ؟ الجواب حتما سيكون بالإيجاب ، فلندن مستعدة لإستبعاد فرنسا من الساحة الليبية وأطماعها في الجنوب وإعادة خلط الأوراق ، شريطة عودة الإخوان للحكم عبر ما يسمى بحكومة وحدة وطنية يسيطر فيها الإسلاميون على وزارات السيادة وخاصة الدفاع والخارجية الى جانب قيادة الجيش وإدارة المصرف المركزي وجهاز الأستثمار ومؤسسة النفط ، وهذا الأمر تم التوافق عليه مع قيادات من فجر ليبيا ومن الجماعة المقاتلة  ، فالموقف البريطاني مع ليبيا موحدة تحت حكم حلفائها الإسلاميين أو مع دولة مصراتة تحت حكم حلفائها الإسلاميين كذلك ، أما ما عدا ذلك فلن يكون له موقع في خريطة الوضع الليبي المتأزم خصوصا وأن العرب باتوا أعجز من أن يصلحوا خطأ العام 2011 بقرار منفرد لتسليح الجيش الوطني الليبي بعيدا عن مؤامرات مجلس الأمن الدولي ،أما قطر وتركيا وإسرائيل فسيجدون في حكم الإخوان ما يخدم مصالحهم سواء في التضييق على مصر أو في إختراق شمال افريقيا بالكامل 

ليبيا اليوم تعاني من حالة تمزق تم التخطيط له خارجيا منذ تم الإعداد لمؤامرة إسقاط الدولة وتفكيك مؤسساتها في العام 2011 وإعطاء مقاليد حكمها للميلشيات وأمراء الحرب ممن إنقسموا اليوم بين ممعنين في التئامر على بلادهم وبين نادمين في وقت لم يعد فيه الندم مجديا ،وستبقى بريطانيا صيّادة فرص وصنّاعة كوارث كما كانت دائما بما يخدم مصالحها عبر تحريك دماها التي لا تقول لا 

أن التقسيم وارد كما وحدة البلاد ممكنة ولكن ذلك مرتبط دائما بمصالح لندن والتمكين للإخوان وعناد قطر وإنتهازية الأتراك وتراجع الدور العربي

كاتب وشاعر تونسي