فى أواخر عام 2012م كان بركان الازمات بمالى تفجر، و فى يوم 2 فبراير 2013م حل الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند ضيفا على مدينة تومبكتو بشمال مالى لكى يعلن بكل أعتزاز و ثقة انتصار القوات الفرنسية بجانب الجيش المالي وقوات من دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا على المجموعات الارهابية المتطرفة بشمال مالى بعد تنفيذ قوات الجيش الفرنسى عملية القط الوحشي، و أستعادة تلك المدن التى كان يسيطر عليها هولاء المتطرفون .

 

و لقد كان شمال مالي على مدار عقود طويلة منطقة صراع و نزاع مسلّح تخوضه حركات طوارقية مالية متمردة ضد الحكومة المركزية في البلاد، و كانت أغلب تلك المعارك و النزاعات المسلحة على خلفية مطالب سياسية إثنية بلغ سقف تلك المطالب الى الانفصال عن الدولة، لكن الصراع تحول جذريا في عام 2012م بانخراط جماعات إسلامية مسلحة ذات فكر قاعدى، و هو الامر الذى جعل كلا من باريس و الدول الغربية تشعر بأنزعاج شديد تجاه الخطر الذى بات يصوب نيرانه تجاه مصالحهم بمالى، و لذلك لم تتردد كثيرا فرنسا فى خوض معركة ضد تلك الجماعات الإسلامية التي سيطرت على شمال البلاد، و بتأكيد أصطف بجانب فرنسا القوى الغربية و المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إكواس ( التى تعمل لصالح باريس قبل مصالح شعوب غرب أفريقيا نفسهم )، بجانب الحكومة المالية التى أصبح مصيرها بين ليلة وضحاها بمهب الريح مع بداية عام 2013.

 

و قد قام الطوارق بحركات تمرد متكررة على امتداد العقود الخمسة الاخيرة للاستقلال عن مالي، وشهدت الفترة ما بين عام 1990م وعام 2009م أكبر عدد من محاولات التمرد الطارقي . و كان هناك أمرين يدفعون الطوارق دائما لهذا التمرد و ما ينتج عنه من عدم الاستقرار في دولة مالي، الامر الاول التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين إقليمي مالي الشمالى  والجنوبى، و شعور سكان الشمال وفي مقدمتهم الطوارق بمحاباة إقليم الجنوب ببرامج التنمية على حساب إقليمهم، و عدم الاهتمام بمشاريع التنمية بالشمال، و الامر الثاني و هو هيمنة إثنية واحدة على مقاليد الحكم منذ الاستقلال و ما نتج عنه من شعور بعدم الانتماء لدى الطوارق و الأقلّيات الإثنية الأخرى في الشمال، فالدولة بالنسبة إليهم ليست سوى إثنية البومبارا المسيطرة على مؤسسات الحكم منذ استقلال البلاد في عام 1960م،  ولم تفشل دولة مالي الحديثة في تحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة بين أقاليمها فحسب، بل فشلت فشلًا ذريعا في دمج مواطنيها في إطار هوية جمعية واحدة أساسها المواطنة تتجاوز حدود الانتماءات الإثنية والقبلية  .

 

و لم يكن تدخل فرنسا العسكري في مالي امرا مفاجئا فهى كانت و لانزال أكثر اللاعبين الدوليين والإقليميين انغماسا في الأزمة المالية منذ اندلاعها في عام 2012م، وكانت صاحبة الدور الرئيسى في نقل أزمة مالي لتناقَش دوليا، وفي استصدار ثلاثة قرارات من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .

 

وكان الجهد السياسي الفرنسي العامل المحرك لقيام المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إكواس بإرسال قوات إلى مالي، و اعتمدت إستراتيجية فرنسا في التعاطي مع الأزمة بمالي  أساسا على تدويل الأزمة، وحشد الدعم الإقليمي والدولي لمساندة الحكومة المركزية في مالي، إضافةً إلى اعتمادها على الجهد العسكري لبلدان غرب أفريقيا مع دعمها لوجستيا، وعلى الرغم من تعدد الأهداف وتداخل المصالح الإقليمية بين بلدان غرب أفريقيا و مالي .

 

لا شك أن فرنسا أستطاعت بقدر كبير فى دحر مجموعات ضخمة من المتطرفون بشمال مالى، و لكن بات الوضع السياسى الداخلى يزداد تفاقم و هو الامر الذى ذكره مباشرة وزير الشؤون الخارجية والاندماج الإفريقي والتعاون الدولي المالي عبدو اللاي ديوب، و أكد أكثر من مرة على ضرورة التوجه سريعا نحو اتفاق قوى بين مختلف الأطراف المالية و السير فى مرحلة جديدة من مسار الحوار المالي الشامل التى ستفتح بالجزائر لبحث طريقة للتواصل معا ميدانيا إلى شيء ملموس، مشيرا إلى أن الطرف المالي عازم و ملتزم بالتواصل إلى اتفاق لكي يجنب مالى العديد من الازمات، و هنا جاء تدخل الجزائر لوضع حل لتلك الازمات المتفجر بجارته الجنوبية، و هو الحوار الذى بدء يتضح معالمه و أكده عبدو اللاي ديوب عندما قال إن مرحلة جديدة من مسار الحوار المالي الشامل ستفتح بالجزائر بغرض أنها تلك الازمات، مشيرا إلى أن الطرف المالي عازم و ملتزم بالتوصل إلى اتفاق، و أن الاطراف المالية حاليا واعية و مدركة حجم الصعوبات التي تعوق تقدمها، و تتمثل إحداها في الوضع السائد في الميدان الذي لا يعد بعد لصالح أى طرف .

 

حقيقة الامر مالى محاصرة بالازمات سواء بالوضع الامنى المتفاقم شمالا، أو الوضع السياسى المتفجر بالجنوب الغربى بالعاصمة باماكو، أو الوضع الاقتصادى المشتعل بشرق البلاد، و ان كانت مالى مرهونة بسياسات قصر الإليزية وحده، فبات هناك أطراف جديدة بالمعادلة سواء من الدخل أو الخارج، فصفحة الاضطرابات لم تنغلق تمام، و البركان لم يهداء بعد، حتى برغم تخيل فرنسوا هولاند انه قد نجح فى سحق المتطرفون فأزمة مالى ليست مقتصرة بالوضع الامنى على الشمال فقط، و أى شرارة بمالى تنعكس مباشرة على الشمال و قد تشعله فى أى لحظة .

 

الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]