فشل ليبيا سببه نخبها السياسية والثقافية والإقتصادية .. وأعظم أسباب فشل ليبيا تضاءل إعمال الفكر في الاحداث الليبية  وغياب التخطيط من قبل النخب للمستقبل .. والصبر المتعقل على حصر الصراع والمنافسة في ساحة السياسة وباستخدام عملاتها المعروفة والمتداولة بدل تحويله ووسمه بالعنف المسلح وترك مصير الوطن لأمراء الحرب وتجار الدماء ..!

كان أجدى .. أن تتــوافق النخب " كما سيحدث مستقبلاً " بدل تشرذمــها وتحولها  إلي واجهات عشائرية متخنة بأوجاع العشيرة صارخة بمهلهلياتها ومسوقة لميزات وروائع الهويات العشائرية القزمية متخلية عن الوطن الواحد الغير مجزأ , وجاعلة من فكرة التجزئة أو المناطقية قاعدة ومنطلق له مسوغات وأعذار وعلل .. وباتت صورة الوطن فسيفساء عشائرية مبعثرة جوهرياً  .. وقد غرقت أغلب  " النخب "  في ماضويات العشيرة وملاحمها غراتسيانية الحبر والفكر والمنشأ متوشحة بتقديس أبطال مفرغين " نسبياً " صنعهم غراتسياني ليظهر عظمته وبسالته بإكبارهم " قد ذكرت بعض الوثائق التاريخية اسمائهم وقيم المرتبات التي كانوا يتقاضونها من الحكومة الإيطالية ولهم صور وتواقيع محفوظة بأرشيف روما تفضح ولائهم للفاشست "   .. وألتزم بعضــ" النخب "ــها الاخر  الصمت وأبدع فيه واتقنه  ..!!

رأينا كيف..  زورت النخب " الافتراضية " تاريخ أحداث فبراير وأخفت المعالم وقتلت الشرفاء .. وكيف أنشأت بعض النخب خطاب عنف إعلامي وثقافي مكملة دورة العنف .. وحولت المجتمع الليبي إلي بيئة عنف مؤطرة بأيدلوجيا داعمة وحاضنة للعنف ذات رواج مرعب يهدد مستقبل الفكر الوطني ودعامات وأسس الهوية العربية والإسلامية .. ويورث للأبناء ألغام فكرية ويلقي لهم بديون الثأرات والشقاق ..  وقد تخلــ" النخب "ـت  عن دورها الأساسي في تهيئة أفق المستقبل ودعم الاستقرار والمصالحة بخطاب وطني متبصر بحالة الوطن متمعنة في مميزات الهوية لتعلو بكل ما يدعم الترابط والوفاق ويضمن المحافظة على توحد وتمازج النسيج الاجتماعي ويحافظ على حيادــ" النخب " ــها وألتزامها بالإنتماء لليبيا والحق والخير ..!

أسهل الطرق كان .. الركون إلي إعادة الماضي وحشر الحياة في ليبيا داخل  سيناريو السنوات الأربع التي عاشتها ليبيا بعد ملحمة القرضابية " 1915 ميلادي " حينما طغت الأطماع وطفت فكرة الجمهورية الطرابلسية على السطح " ليخرج الأتراك من مأزقهم " وبدأ صراع السلطة بين أفراد ليتحول إلي صراع عشائر.. أسلمها " الصراع " إلي عزلة اجتماعية أتاحت للفاشست فرصة الإنقضاض على المجاهدين في الجبل الأخضر وأورث ثقافة الإنعزال لليبيين مما حط من مستوى مدنيتهم وعرقل كل محاولات التطور والبناء طوال عقود ..!!

ما حدث في ليبيا متوقع .. فمعطيات ليبيا توزيع السلاح يقابله  " البدائية – الإنعزال – فراغ النخب – غياب التجربة – تشوه هوية الوطن – المؤامرة – ري بذور الشقاق الإجتماعي " 1913 الي 1923 "  – الهيمنة الخارجية والداخلية – مرجعيات التاريخ المشوهة أو المنقوصة .. البيئة الإجتماعية وطقوسها " .. كان لابد لــ" المعطيات" ــها أن توصلنا إلي الحرب وخطاب التسلح والمتاجرة بالدماء والأنفس والوطن , فلم يكن رواد التغيير ودعاته يملكون أي مشروع عدا اسقاط نظام القذافي " بأسلوب انتقامي فظيع " .. فرغوا من بعده للمراهقات السياسية وسرقة الأموال واجترار ثقافة التخوين وصراع المصالح والدخول الطوعي للولب الخداع والتساقط القيمي والأخلاقي ومهاترات الإعلام التجاري اللامنتمي ..!!

سلطويو المجلس الإنتقالي ابتدعوا اللعبة وصمموها على مقاسهم وأخذوا ينتقلون من المجلس إلي المؤتمر إلي البرلمان إلي الوزارات والسفارات وإدارات عليا محجوزة " ملاك سلطة وورثتها – شاء من شاء وأبى من أبى " مسبقاً لهم .. وأدمنوا الفساد والتصريحات الكاذبة وتبادل المصالح مع الداخل والخارج .. ورفعوا سقف الصراع والعداء بينهم إلي حد تهديد وحدة ليبيا وأمنها وأمان أهلها .. وفقدوا ثقة الشعب بعدما تحولوا إلي " لوبي "  مستميت في خدمة مصالحه سراً وعلانية ..!!

صدقاً .. لم يعد بإمكان من تورطوا في لعبة السلطة وحوار السلاح الرجوع والركون إلي مبادئ المساواة والعادلة الغير مصوغة على مقاسهم .. وإتخاذهم للثورة حجة أو الوطنية دثار وسلعة بات غير مجدي .. ولم يعد هنالك من حل سوى استكمال الصراع المسلح وقضاء أحد الطرفين على الآخر .. ولكن ..!!!

ستخلف الحرب ضحايا وأشلاء أبرياء وفئة مظلومة ومشردين وسيهرب السراق والسلطويون وأمراء الحرب كما اعتدنا واعتادوا ..!!!

كاتب ليبي