حينما صلب الحلاج عبرة لمريديه من عشاق الله ،لم يرتجف ولم يهب الموت،فقط نطق بجملته الشهيرة...ركعتان في العشق لايصح وضوءهما الا بالدم!وكانت ذراعاه مفصولتان.تحضرني هذه الجملة وأنا أتصفح صباحا تونسيا حزينا حناءه من دماء وملامح أهليه من شجن وحيرة وضباب.استفاق التونسيون مرة أخرى على موت يقطف من أرواح الأمنيين ويوزع الألم على ماشاء من اليتامى والثكالى والأرامل.عداد الموت لايستكين،ويحلو له أن يتجول في أحياء الفقراء،الفقراء فقط،في إطار عدالة مخصوصة،تستعير من عناوين ربيع أجدب ماطاب لها من حكم العورات...عذرا أقصد جوق الثورات المستعارة من خطب الليل الحالك.أربعة أمنيين غادروا الحياة منتصف البارحة،عندما كانوا يرابطون أمام منزل وزير داخلية تونس،في مدينة القصرين التي تحالف على أمنها التاريخ والجغرافيا.تاريخ الشبق الثوري الخافت،وجغرافيا الشعانبي المدجج بأسباب الموت من خفافيش المغاور.بغرابة وسكون،ككل صباحات الرعب التونسي المستورد،أفاق التونسيون صباح الاربعاء،يتبادلون أسباب الأمل المفقود،ويربون بين جوانحهم نقمة دورية على أيادي الغدر.في الجهة الأخرى،يزاول رئيس تونسي مؤقت عاداته بحماس...اعلان الحداد!
متى وكيف ولماذا!تلك هي الأسئلة الأكثر طرحا لدى التونسيين كلما أفاقوا على دماء مهدورة من الأمنيين والجنود والسياسيين.أسئلة لا راد لها في ضل ضباب المسار وتعثر مخارج الأمان.أما الأيادي الآثمة فقد تعودت على الوضوء بالدم على مايبدو ويتكرر،تكبر للموت،وترفع صلوات لا عهد لتونس المسلمة بقواعدها.موت آخر ودماء أخرى بتوقيع صناع الربيع في تونس...ربيع بلا زهور ولا اخضرار...ولكن من دماء!