نتيجة لما قرأته عديد المرات، من تراشق بتعليقات ليبية منها وتونسية على مواقع التواصل،... قد يكون أمرٌ عادى، إذ حتى بين الليبيين بعضهم تجاه البعض، نقرأ ما هو أقسى و أمَر ولا يُقارن سؤاً بما ذكرت، وكما يقال (حتى مصارين البطن تتعارك)، وحرصاً على ما نراه جميعاً من أهمية ديمومة العلاقات الأخوية، بين أبناء الشعبين الشقيقين فعلاً وعملاً، تجدنى، أكتب بالخصوص.
 
بدايةً، لابد من الأعتراف بحقيقتان توأمان ملتصقتان لا ينفصلان.. الأولى، لم يكن لمناطق غرب ليبيـا غير تونس يلجأون أليها، وطال ما بقى منهم على قيد الحياة أفراداً.. والثانية، لولا هجرة الليبيين بما حملت جِمالهم، لم يكن لتونس أن تَصمُد وبأى حال من الأحوال، لأكثر من ستة أشهر بعد الثورة، ولكان الأنهيار الأقتصادى بها حتمياً ومدوياً، وبالتالى لما كان لها ان تُصابر حتى تصل والحمد لله، الى ما وصلت أليه من أستكمال تأسيس الدولة.

فلا أحد من الشعبين التونسى والليبى، يمكن له وعلى الأطلاق، أن يزايد على الآخر، وتبقى الحقيقة الآزلية.. نعم، كلاً منا مُحتاج للآخر، حاجة الجسم الى الأوردة والشرايين، ويبقى التقدير والعرفان لمن يبادر منا الآخر بتحية الأخووة الأزلية فى ألله والعروبة، حتى يرث ألله الأرض وما عليها.

لك ومن خلال بوابة رأس إجدير، أن ترى حركة أندماج المصالح الأقتصادية والمجتمعية بشكل عام، بشكل يوحى أن لا أنفصام فيها، وفى الأتجاهين ترى أبناء الشعبين مُختلطين، ففى أتجاه الدخول الى ليبيا، ترى الليبيين العائدين مُعافين، وبنصف عافية وكثيرين فى صناديق برسم الدفن.

وترى العمال التوانسة الداخلين والسيارات الفارغة من الركاب، تدخل لعدة مرات يومياً، لتعود بالوقود، لتفرغه فى بن قردان التى تتكدس  بشوارعها براميل البنزين وزيوت السيارات، وكل أصناف بضائع السوق الليبى من مواد غذائية والكترونات، حيث تزدان حركة الطريق فى الأتجاهين بصرافى العملة بأكشاك وراجلين، وصولاً الى حركة دخاخين مطاعم شواء اللحم البنقردانى الغير مختوم، والممزوج برصاص كربون مراميط السيارات، مما يضفى عليه لذة خاصة! لدى الآتين من ليبيـا، المُنهكين من السفر وأضنتهم أصوات التفجيرات، وأرعبهم تقطيع الرؤس.

وفى الأتجاه المُعاكس لدخول تونس، تُلاحظ طوابير المنكوبين الليبيين، الأحياء ومن قاربت آجالهم، يتنفسون الصعداء بوصولهم البوابة فى أرتال سيارات الأسعاف، وتلك المُكتضة بالعائلات الليبية (حافى.. ومددس) (أى بحذاء وبدونه)، مماً يبحثون على سكن أينما كان، هرباً برقابهم  وعِرضِهم، وأولائك المتجهين الى مستشفيات كل المدن التونيسية، التى أنتعشت من نشاط العرض الكبير لخدماتها الصحية، التى تأسست فى الأساس، كمشروعات أستثمارية تونسية، بناء على الطلب الكبير لتلك الخدمات من مُحتاجى العلاج الليبيين، الذين نُكبوا بأكثر السياسات الأقتصادية تشوهاً بالدنيا، فى العهد السابق (بترول وحياة الهول) ومماً بقوا بدونه المستشفيات، ما يجعلنى أعتقد جازماً أن القذافى قَـَصَدَ مساعدة نظام ليلى الطرابلسى.

وعليه وحيث أننا لا نعلم ما ستأتى به الأيام، ووفق مُجريات الأحذاث، فأن مقام الليبيين قد يطول إلى مالا نهاية؟، (أعمل لأستقرارعملك بتونس، كأنك ستبقى آبداً، وأعمل على عودتك لليبيـأ كأنك ستعود بعد سنتين).

ولدوام العِشرة المُنظمة، حتى نظمن تعايش مصالح منضبط، ومالم يقوموا بعد، نقترح متى كان ذلك قانونياً، أن يتجمع العاملين الليبيين، فى مختلف مجالات الأستثمار الصناعى والعقارى وغيره من مختلف مجالات التجارة المحلية والعابرة، والأنشطة الخدمية بأنواعها.. الخ، بتأسيس أتحادات أو جمعيات أو أى روابط تحت أى مُسمى يسمح به القانون، ليكون لهم ثقل يُحسب له حساب، ولتأطير ضمانات مصالحهم وحقوقهم، ولتدافع عنهم متى ما أحتاجوا لذلك، وينسحب الأمرعلى الليبيين المُقيمين فى مصر. 

وبعيداً عن العواطف، لابد من أن يتعهد الليبيين المتواجدين على أرضها أحترامهم للنظم والقوانين والأعراف التونسية (يا غريب.. كُن آديب)، وبدورهم، لا مناص من ان يحترم التوانسة حكومة وشعباً، تواجد المليون و800 ألف ليبيى(حسب أحصاء وزارة داخليتهم) ويحمونهم ومصالحهم على أرضهم.. أولاً، كشهامة من الطرفين، وثانياً أعترافاً من الليبيين بجميل أستقبالهم، وأعترافاً من التوانسة بجميل أنقاذ الليبيين لأقتصادهم، إذ سيبقى الليبيين يحتاجون أرض تونس، ليعيشوا عليها وينعموا بحريتها وخضارها، ويحتاج التونيسيون الى أموال وأستثمارات اخوتهم الليبيين ونشاطهم الأقتصادى على أرضهم، الى ما شاء ألله.

وعموماً، حتى وأن تمكنا الليبيين من تغيير ما بأنفسنا أقتداءاً بشعب تونس العظيم، ليُغير ألله ما بنا فيوصلنا الى بر الآمان، وحتى أن مَنَ ألله على تونس بأزدهار أقتصادى كبير (وآراه قادماً)، فيجب أن نتذكر كلينا بأن الدنيا حُبلى بالمفاجئات، فنُبقى الطرفين، على كلمات الود والمحبة لتكون زاد لنا ولأولاد كلينا من بعدنا، فنعيش كشعبين أثبتت كل الحُقب الزمنية  وجوب أن يعيشا مُتحابين متضامنين، وفى توجهاتهم متحدين، حتى نتحول الى منتصرين، على مؤامرة الربيعين.. رد ألله غُربة الليبيين المنكوبين الى بلادهم آمنين مُكرمين، وفتح الله على التونسيين أبواب الرزق ليعتمدوا على أنفسهم ويزدهر مستقبلهم، أللهم آمين.

كاتب ليبي