"هذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أمَّا أنا، فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي" .. بهذه الكلمات المقتضبة عبّر عمر المختار عن الإرادة الليبية قبل ثلاثة وثمانين عاماً، حين وقف أمام شانقيه بخطى ثابتة، سطرت أسمى معاني الشجاعة والبطولة .. لم يكن عمر المختار آنذاك يمثل نفسه، بل كان أمّة تقف على قدمي رجل سبيعني، تلمع في عينيه فتوة جيل لا يعرف الخوف اسمه "الشعب الليبي"..

بين جيل وآخر تنحرف البوصلة، فتنكسر نظارة المختار، وتبدو الصورة ضبابية ، فعلى أعتاب مقصلة جديدة يَسأله السجان: أهذا شعبك؟ فيجيب: كأنه هو!  في محاولة منه لاستنهاض الجيل الذي راهن عليه وهو يحصي ما تدلى من أنفاسه على حبل مشنقته .. تنحرف البوصلة أكثر، فتزداد الصورة قتامة .. تنكسر البوصلة، فيسقط المختار كما لم يسقط قبل ثلاثة وثمانين عاماً!

ها هي الذكرى الثالثة والثمانون لاستشهاد أسد الصحراء وشيخ المجاهدين تمر على استحياء كأنها لم تكن، في وقت يشهد فيه الشارع الليبي انقاسماً حاداً بين أطراف تسير بدقة متناهية على مسار النزاع، مقتفية أثر الأشقاء الذين سبقوها في صراع الشرعيات المنقوصة الذي أسقط من القاموس الليبي معاني الإخوة والتصالح والتسامح ..

ففي مناطق محدودة جداً، أحيا الليبيون  قبل أيام "يوم الشهيد"، حيث شهد هذا اليوم انقساماً غير مسبوق حول مناسبة عظيمة تجاوزت طقوس إحيائها الأجواء الليبية، ففي الوقت الذي أعلنت فيه حكومة عبد الله الثني أن يوم السادس عشر من سبتمبر (الذي يصادف يوم استشهاد المختار) عطلة رسمية. قامت جماعة المؤتمر بمقاطعة هذه المناسبة وهذا الإعلان باعتباره غير شرعي، كونه صادراً عن حكومة غير شرعية - من وجهة نظرهم - ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل تجاوز ذلك إلى التجرؤ على شخص المختار ومناقشة مدى أحقيته بهذا اليوم وهذه المكانة!  

بهذه الطريقة تسلل السوس الليبي إلى عكاز المختار، وعاث فيه نخراً و نحرا .. وعلى طريقته الخاصة يتسلل المُحرر إلى كتب التاريخ، ليشطب بعض الأحرف وبعض الكلمات والأسطر والصفحات، وليجري تعديلاته اللغوية على نص لا يمت لأهله بصلة، وعلى جيل سقط سهواً من شفتين خانهما التعبير على مفترق طرق بين جنتين!

 

رئيس تحرير مجبة صوت العرب - الصين