نتائج الانتخابات التشريعية كانت متوقعة,حركة النهضة دفعت ثمن حكمها,انتقلت الحركة من العمل تحت الأرض وفي الدهاليز إلى قيادة شعب وقف إلى جانبها,مانحا إياها الفرصة لكي تثبت أنها أهل للمسؤولية,فكانت هناك بعض الإخفاقات,لكنني شخصيا لا أرى ما ذهب إليه الجمهور التونسي ابتعادا كليا عن الحركة,لقد وضعت مظاهرات ميدان التحرير نصب أعينها,استبقت الحركة الانتخابات التشريعية فقامت بإبعاد الكوادر المتشددة عن مكتبها السياسي, الأصوات التي تحصلت عليها وهي ما يقارب ثلث المقاعد ليس بالأمر الهين مقارنة بـ"إخوانها" في كل من مصر,حيث استعجلوا أخونة المؤسسات فسرّعوا من سقوطهم المدوي, القادة في السجون وأصبح آخرون من المطاريد,أما إخوان ليبيا,فإنهم منيوا بهزيمة نكراء في الانتخابات البرلمانية الماضية,ما جعلهم يعلنون الانقلاب على الشرعية بفعل ما يمتلكونه من سلاح,وخشية أن تطالهم المحاكمات,نظير ما اقترفوه من أعمال إجرامية المتمثلة في استشراء الفساد وعدم استتباب الأمن على مدى سنوات حكمهم غير المأسوف عليه.

الانتخابات التشريعية أظهرت وبما لا يدع مجالا للشك بان التونسيين يرغبون في استمرار النهج العلماني الذي وضع أسسه الراحل بورقيبة,وان كانت هناك صحوات دينية,لكنها لا ترقى إلى مستوى إحداث تغيير جذري في الحياة السياسية والاجتماعية بالبلاد,المكاسب التي حققتها المرأة لم تعد للمساومة.

الأحزاب العلمانية المتعددة المشارب (محافظون,راديكاليون)التي حصدت بقية المقاعد ومنها نداء تونس الذي أعلن بأنه ليس في وارد إشراك حركة النهضة ضمن التشكيلة الحكومية والحديث من أن النداء والنهضة خطان متوازيان لا يلتقيان يدل على أن إمكانية التقارب بينمها صعبة إن لم تكن مستحيلة,أي أن العلمانيين سيعودون إلى حكم تونس بمفردهم بعد غياب قسري محدود, تلبية لرغبة الجماهير في لحظة غضب جارف على ما اقترفه النظام السابق في حق الشعب التونسي وقواه الحية.

تولت الحركة الحكم في ظروف محلية وإقليمية جد صعبة,وقفت إلى جانب المعارضة في سوريا وصدّرت إلى سوريا الشباب العاطل عن العمل,الذين يحملون فكرا تدميرا لا يعترف بالرأي الآخر خاصة مع وجود عناصر إرهابية بالبلد ما جعل قطاع السياحة يفقد الكثير من رواده وبالتالي التسبب في انخفاض الدخل القومي.

حركة النهضة فقدت بعض المقاعد ولكن خسارة شريكيها في الحكم كانت كبيرة, فحلت عليهما لعنة الجمهور التونسي,كأنما هو عقاب لهما عن أدائهما الردئ وانجرارهما خلف النهضة في تحقيق كل رغباتها حتى قيل عنهما أنهما وصيفتا الحركة,لقد شكل ثلاثتهم مثلث برمودا الذي اغرق البلاد في أزمات مالية وأمنية وسياسية وخاصة مع كل من ليبيا ومصر,لقد أخفقت الحركة في تحقيق طموحات الجماهير فأذلتها,أخرجتها من قصر القصبة,فماذا عن قصر قرطاج وان لم يكن ساكنه بتلك الأهمية؟الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل,قد لا تأتي بجديد,فالذي يسيطر على البرلمان يسيطر على مقاليد الأمور بالبلد,الجماهير لم تقطع معها خط الرجعة,منحتها بعض الثقة وبالتالي فانه بإمكانها أن تلعب دورا رئيسيا في اتجاه تجسيد الديمقراطية من خلال معارضة شريفة داخل قبة البرلمان.تجربة الحركة مع الحكم جديرة من قبلها بالدراسة والتعلم من أخطاء الماضي,الاعتراف بالخطأ فضيلة, فتكسب ود الجمهور.