تعمّد االرئيس التونسي منصف المرزوقي الظهور في صورة غير المبالي بخطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إفتتاح القمة الإفريقية بمالابو ، فقد كان يتظاهر أمام كاميراهات التليفزيون بتصفُح وقراءة ملف القمة ،

في مارس  الماضي فعل المرزوقي الأمر ذاته في قمة الكويت متعمدا تجاهل كلمة الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور ، 

في الكويت كان المرزوقي يتماهى مع موقف أمير قطر وفي مالابو  حاول أن يوجه رسالة الى تميم بن حمد ، يقول له فيها : أنا على العهد وسأبقى وفيا لخياراتك ومواقفك 

المرزوقي الذي وقف بكل قوة ضد إرادة الشعب المصري وثورة الثلاثين من يونيو 2013 ،وقاد حملة سياسية ضد خارطة المستقبل السياسية والمشير عبد الفتاح السيسي والجيش المصري ، ونصح أصدقاءه في الغرب والشرق بمحاصرة ثورة المصريين على تجّار الدين ، وتدخل من أعلى منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشأن المصري ، وعبّر وحزبه عن تعاطفهما مع المعزول مرسي العياط ، هو ذاته المرزوقي الذي يشعر اليوم بأن كل تلك الرهانات  خاسرة ، فقد مرّ عام على الإطاحة بحكم الإخوان ، ونجح المصريون في الإستفتاء على الدستور ثم في إنتخاب رئيس جديد لبلادهم ، وإعترف العالم بالسيسي رئيسا ، ( ماعدا قطر وتركيا ومن تبعهما بالعمالة الى يوم الدين ) وإستعادت القاهرة مقعدها في منظمة الإتحاد الإفريقي ، ووجد الأمريكان أنفسهم مجبرين  على التعامل مع الأمر المصري الواقع ، والأهم من ذلك أن الأغلبية الساحقة من شعب مصر إختارت عبد الفتاح السيسي زعيما وقائدا وليس مجرّد موظف دولة برتبة رئيس 

المرزوقي الذي يعتمد على تقارير « الجزيرة » في تحديد معالم الديبلوماسية القطرية وبالتالي تبنيها ، لا يدرك حجم مصر السياسي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي  ولا دور مصر القومي والإقيلمي والقارّي والدولي  ولا طبيعة مؤسسات الدولة في مصر وفي مقدمتها الجيش ، ولا يعرف أن العالم يحتاج لمصر أكثر مما تحتاج مصر للعالم ، وأن  كرامة الدولة المصرية والجيش المصري ورموزه ومن بينها السيسي تمثّل خطا أحمر لشعب مصر ، ولا يفهم أن للدولة والشعب المصريين حلفاء في المنطقة والعالم تتجاوز  أعدادهم ومواقعهم وقدراتهم على التأثير حلفاء الإخوان بأشواط  ومراحل كثيرة وكبيرة ،

المرزوقي  يعميه تحالفه مع الإخوان وقوى الإسلام السياسي عن تلك الحقائق ،ويجعله يبني مواقفه على قراءات قطرية تبيّن فشلها بعد إنكسار مشروع الدوحة في أكثر من مكان ، وبعد أن إكتشف العالم حجم العزلة التي يعانيها عملاء قطر سواء في مصر أو ليبيا أو اليمن أو سوريا أو الخليج العربي ، 

في هذه الحال كان يمكن للرئيس التونسي أن يتجاوز الماضي بالتعامل الواقعي مع مصالح الدولة التي يمثّلها، وكان يمكن أن يتقدم خطوة نحو المستقبل ،وأن يسعى الى تصحيح موقفه من القاهرة خصوصا وأن هناك ملفات عدة تحتاج الى شراكة بين البلدين ومنها ملف الإرهاب والوضع الليبي المتفجّر الذي يهدد بحرب أهلية قادمة ولو بعد حين 

كان يمكن له أن يراقب مستجدات الحراك السياسي في المنطقة وخاصة بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيس الى الجزائر ، وما نتج عنها من تفاهمات ذات أبعاد إستراتيجية ينتظر أن تصل الى مرحلة التحالف الكامل بين البلدين إسترجاعا منهما لتاريخ حافل بالمواقف كموقف مصر عبد الناصر من ثورة الجزائر وموقف جزائر هواري بومدين من عدوان 1967 وحرب أكتوبر 1973 ، خصوصا وأن الوضع العربي الحالي يمر بزلازل أخطر بكثير مما مضى ، زلازل تستهدف بنية الدولة الوطنية والمدنية وحدودها الاقليمية وسلمها المجتمعي 

كان يمكن للمرزوقي أن يتابع مستويات التنسيق والتعاون والتحالف الإستراتيجي بين القاهرة والرياض وأبوظبي والكويت والمنامة وعمّان ،وهو تحالف لن يكون بمعزل عن مساندة عواصم أخرى : مسقط ، الرباط ، نواكشوط ،صنعاء ، في حين تجد الجزائر نفسها في قلب التحالف مع القاهرة التي بدأت مرحلة التنسيق الأمني والمخابراتي مع دمشق 

في هذا الخضمّ تبقى ليبيا تحت  سيف حكم الميلشيات  المدعونة قطريا ،وتبقى تونس  في ذمة رئيس تجذبه الى الدوحة أحلام الفوز في الإنتخابات القادمة ،في حين تبقى قطر  في عزلتها الإقليمية والقومية ، 

المرزوقي إختار مواجهة هذه التحولات بالإمعان في ما يسميه  تمسكا بالمبادىء « ضد الإنقلاب » في حين أن الواقع يؤكد أنه تمسّك بكرسي الرئاسة إعتمدا على قناعة لديه بأن قطر وحدها ، ومن خلال نفوذها السياسي والمالي والإعلامي في تونس وخارجها ، تستطيع الإبقاء عليه في قصر قرطاج ،وكانت بوادر هذا الطرح  تأكدت من خلال الحديث عن ضغوط قطرية على حركة النهضة لترشيح المرزوقي للإنتخابات القادمة ،كيف لا ؟ وهو راعي مصالحها والمتبنى الأصيل لمواقفها في المنطقة بما في ذلك موقفها من مصر والسيسي