لم نكن نشك يوما في نزاهة القضاء الليبي,خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمصير بلد تتقاذفه الأمواج العاتية,فالأحداث التي شهدتها وتشهدها بعض الدول العربية لم تكن لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية,فلا تزال هناك أنظمة عربية قمة في الديكتاتورية تقود عملية التدمير لمقدرات الشعوب لان تبقى ذليلة,تسبح بحمد ملوكها وأمرائها,بل كانت ممنهجة,وخطط لها منذ وقت ليس بالقريب لاستهداف بعض الدول,أراد الغرب وأتباعه أن تكون ليبيا ساحة للصراع بين القوى التكفيرية التي ساهموا في تكوينها,والغرب الصليبي الاستعماري الذي يسعى إلى الاستحواذ على مقدرات الأمة,غض الغرب الطرف عن قدوم آلاف التكفيريين من كل بقاع العالم,ليسهل تجميعهم في بلد شبه صحراوي منكشف,يسهل اصطيادهم,وتستمر معاناة الشعب إلى ما لا نهاية,ولينعم الذين يتاجرون بقوت الشعب,فقد أصبحت أعدادهم تتزايد.

ندرك أن طرابلس محتلة من قبل ميليشيات,كل همها السيطرة على مقاليد الأمور في البلد,ومستعدة لفعل أي شيء,بدءا بالخطف وطلب الفدية,مرورا بالسجن والتنكيل,وانتهاء بالتصفية الجسدية,وقد تم دك العاصمة بكافة أنواع الأسلحة,سقط الكثير من أبنائها بين قتيل وجريح ولا يزال بعض سكانها مهجرون بالداخل والخارج.

القرار الغامض الذي صدر ببطلان مجلس النواب لم يكن متوقعا,بل المتوقع في حده الأعلى وفق الظروف التي تعيشها العاصمة ومرافقها العامة "مؤسسات الدولة" ومنها المحكمة العليا,هو بطلان انعقاد المجلس في طبرق,والسؤال كيف يسمح هؤلاء القضاة لأنفسهم باتخاذ هكذا قرار؟لا شك أنهم محاصرون ومهددون,ولكن كان بإمكانهم إن لم يستطيعوا قول الحق أن يستقيلوا كما فعل زملاء لهم,وبالتالي تجنيب البلد المزيد من الكوارث التي لم تنفك يوما.

المحكمة العليا بقرارها أرادت أن تعيد الروح للمؤتمر اللاوطني,أن تحيي العظام وهي رميم, هيهات يكون لها ذلك,فمن مات فات,وكل ما هو آتٍ آت,كلمات قالها السلف,لم يأخذ بها القضاة الميامين,اللؤم بين جنباتهم تحت جلابيبهم,حيث لم تعد للعمائم مكانة في زمن التمدن,لقد تعرّى القضاة من ورق التوت,كنا نحسبهم تقاة لا يخافون في الرب لومة لائم,ولكنهم وللأسف انجروا إلى الأمور الدنيوية وانغمسوا في ملذاتها, وأصبحوا منحازين لطرف معاد للشعب ويحول دون تحقيق آماله في الحرية والعدالة الاجتماعية.

القرار الذي اتخذ وصمة عار على جبين من أصدره,في وقت الشدائد يعرف الرجال الذين يضحون بأنفسهم وأموالهم من اجل البلد,فالرجال هم أولئك الذين يضحون من اجل قضايا شعوبهم,وأما غير ذلك فهم أشباه رجال وما أكثرهم في هذا الزمن الردئ,زمن الرويبضات,الخزي والعار لمن يساهم في قتل شعبه,لن يكون القرار نهاية المطاف,وبغض النظر إن كانت هناك إمكانية للطعن فيه أم لا,فإن الشعب الليبي وقواه الحية لن يقبلوا بالمزيد من الدمار والقتل والتشريد,الذي طاول كافة أنحاء البلاد,لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى,لم يعد هناك ما نخسره,لم يعد السكوت مجديا,بل يعد مشاركة في ما تشهده البلاد من انهيار.

إحدى خطايا إن لم نقل جرائم مجلس النواب,انه لم يقم بإصدار قرار بنقل مقر أو اقله اجتماعات الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا,من طرابلس إلى أي مكان آمن,ليتصرف القضاة بحرية واستقلالية بعيدين عن كل تهديد,هناك العديد من القرارات التي كان على المجلس اتخاذها ولم يتخذها بعد وستجر عليه الويلات والتي وللأسف سيدفع الشعب وحده ثمنها.

عزاؤنا في ما تبقّى من قواتنا المسلحة التي آلت على نفسها رغم قلة إمكانيتها,أن تخوض معركة تحرير ليبيا بكل شجاعة ضد العصابات الإجرامية المارقة عن القانون,ولتكون ليبيا دولة حرة مستقلة ذات سيادة,وينعم أهلها بالأمن والأمان الذي افتقدوه طيلة السنوات الماضية.

 كاتب ليبي