في مطلع القرن السادس عشر وصلت أولى موجات المهاجرين الانجليز الى أمريكا .. وتحتفظ كتب التاريخ الأمريكي بأولئك فى خانة ( الحجاج ) الذين قرروا أستيطان

الأرض الجديدة - مستبدلين شعبا بشعب وثقافة بثقافة -

      تأسيس أنجلترا الجديدة ( نيو انغلاند ) التى تعتبر فى الأدبيات الأمريكية هي الأصل الأسطوري للتاريخ الأمريكي حيث يحتفل الأمريكان البيض سنويا فى عيد الشكر بتلك

الحادثة التى ختمت  قصة نجاة أولئك الحجاج من عسف (فرعون البريطاني .. وخروجهم من أرضه وأملاكه وتيههم فى البحر) فضلا عن عهدهم الذي عقدوه مع يهوه فوق سفينتهم

ووصولهم أخيرا الى ( أرض الميعاد ) التى أطلق عليها رؤساء الدفعة الأولى من المهاجرين الأنجليز أسم ( صهيون ) و ( أسرائيل الله الجديدة ).

     فى كتابه المرجعي ( أمريكا والأبادات الجماعية ) يؤكد الباحث الأمريكي الفلسطيني الأصل منير العكش أن الأمريكيين حصلوا على نظريتهم في ابادة الهنود الحمر وغيرهم من الشعوب, من الألتباس التاريخي التقمصي لأجتياح العبرانيين لأرض كنعان, فقد  فتكوا بأمة الهنود الحمر ( السكان الأصليين للقارة ) بايمان عميق بأنهم عبرانيون وأن الله منحهم الأرض ومنحهم تفويضا بقتل الآخرين بأعتبارهم أصحاب رسالة !!.

     يخلص الباحث فى كتابه المهم الى أن تلك الأساطير هي المؤسس للثوابت التى صبغت التاريخ الأمريكي فى جميع محطاته المفصلية. أولها يتمثل فى المعنى الأسرائيلي لأمريكا , وثانيها عقيدة الأختيار الآلهي والتفوق العرقي والثقافي , وثالثها الدور الخلاصي للعالم , ورابعها قدرية التوسع اللامتناهي , والخامس حق التضحية بالآخر

     يكشف الكتاب بالوثائق والأسانيد ملامح المذبحة الرهيبة التى قضت على 112 مليون هندي أحمر (مائة وأثنا عشر مليونا ) يتوزعون على (400) قبيلة وشعب لم يتبق منهم وفقا لآخر أحصائية في النصف الثاني من القرن العشرين سوى ربع مليون فقط

     المحافظون الجدد الذين ظهروا على الساحة السياسية فى واشنطن مع قدوم رونالد ريغان, وتجذروا فى البيت الأبيض والكونغرس في عهدي بوش الأب وبوش الأبن وهم يشكلون اكثر من نصف العائلات الأربعمائة التى تحكم أمريكا فعليا ,يؤكدون فى سياساتهم المطبقة عبر تحالفهم مع  قادة الفلسفة الصهيونية على الثوابت الخمسة, خاصة فى أدعاء المطلق الغيبي والمهمة الرسالية فى غزو العراق 

وافغانستان وليبيا وتطهير العالم من الأرهاب ووضع شروط تطبيق الديمقراطية.

     ويطهر واضحا من تتبع سياق التحرك الذي يقوده هولاء أمتثالهم للأنساق التى وضعها أجدادهم الأوائل فى مواجهاتهم مع أمة الهنود الحمر ,فى الأحتماء بوهم الأدعاء الرسالي التطهيري للفتك بالآخر بمنتهى القسوة , وبلا اكتراث بأي قيم ومبادئ وقوانين وأعراف الخ الخ .. وهم اذا كانوا قد نهضوا بنظرية التطهير العرقي فى القضاء على الهنود الحمر فى أستبدال شعب بشعب واحلال ثقافة محل ثقافة أخرى فهم فى حروبهم الجديدة ( هيروشيما ونجازاكي والفيتنام ولاوس وكمبوديا والفلبين وكوريا وأفغانستان وصربيا والعراق ..فضلا عن أنتهاكاتهم التى لا تكاد تتوقف لأمريكا الوسطى واللاتينية ) بمحاولة تغيير ثقافة بثقافة وهو ما يعكسه شعار أو نظرية صدام الحضارات التى يعتنقها الساسة الأمريكان منذ أختيارهم من مجلس العائلات الأربعمائة الحاكمة للتدرج فى سلم المسؤوليات , ويمكن تتبع تلك النظرية فى السعي الأمريكي ( هي ضغوط فى واقع الأمر ) لتغيير مناهج التعليم ومراقبة أداء وسائل الاعلام والخطاب الديني فى كثير من البلدان فيما تركوا مسألة ( استبدال شعب بشعب ) للاسرائليين فى فلسطين .

     كان العرب الذين خضعوا للأستعمار البريطاني والفرنسي والأيطالي لا يحملون أية مشاعر عدائية محمولة على ( ارث أستعماري ) تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما تؤكده مجموعة من الدارسين العرب فى كتاب أصدروه فى 2002 تحت عنوان ( صناعة الكراهية فى العلاقات العربية الأمريكية ) موضحين أن سياسات أمريكا المعادية لتطلعات العرب هي التى بذرت جذور التوجس الذي أصبح لاحقا حقولا من الكراهية والرفض .

     كان العرب يتابعون الدعم الأمريكي اللامتناهي لعدوهم التاريخي الذي يحتل أرضهم فى فلسطين , والعداوة الأمريكية للأنظمة العربية التى ترفض الوجود الأستيطاني الصهيوني وتطمح للوحدة والتكتل وصياغة تنمية مستقلة تخرجهم من التبعية والتخلف والأرتهان فى ذات الوقت الذي يتعرضون فيه للضغوط الامريكية الهائلة لفرض القوامة الأمريكية على العرب , ووضعهم على مقاعد التلاميذ والقبول بتلقى الدروس فى الأخلاق وحسن السيرة والسلوك

     تابع العرب الذين كان معظمهم من المتعاطفين مع أمريكا كيف تم تدبير العدوان على ليبيا ولبنان والصومال والسودان, وكيف تمت برمجة الرأى العام الدولي لتصديق أكذوبة أمتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل, وتابعوا العدوان الدموي ومشاهد التدمير الشامل لتلك البلاد العربية , وأنتهاك كرامة أهلها وسرقة مقدراتها وثرواتها. تابع العرب كيف تعمد دولة عظمى مثل أمريكا  تقتعد كرسي الاستاذ المعلم الى أقامة معتقلات قروسطية فى ابوغريب وغوانتانامو وسجون سرية فى البحر وأخرى فى بعض  دول أوروبا الشرقية.. تابع العرب عمليات القتل والتعذيب الوحشي الأمريكي ذد العرب وكيف مارست أعمالا يجرمها القانون الأمريكي نفسه وكيف رتبت أجهزتها عمليات خطف لمواطنين عرب من أراضى دولا أخري وأخضاعهم للتحقيق غير القانوني والتعذيب مثلما حدث فى اليونان وألمانيا وأيطاليا الخ ..وكيف تم أستخدام الفوسفور الأبيض فى ابادة المدنيين العراقيين فى الفلوجة والرمادي .. وأدرك العرب أخيرا أنه لا حدود لخيارات المحافظين الجدد عندما وصل الأمر الى الداخل الأمريكي وهو ما كشف عنه أمر التنصت التجسسي على مواطنيين أمريكيين من أوصول عربية ووضع أكثر من 120 مكانا يقصده المسلمون داخل امريكا تحت المراقبة الدقيقة .

     تابع العرب كل ذلك وكأنه سماد يغذي جذور  كراهية زرعتها واشنطن ضد العرب وتطلعاتهم,بلا أكثرات منها لأية قيم من أى نوع ودون أى تلميح لامكانية مراجعة تلك السياسات وأحتمال تعديلها بما يتفق ومصالح الطرفين .

     المحافظون الجدد فى أمريكا يؤمنون بأنهم يمتلكون الحق الآلهي (...) فى تطهير العالم من الشرور ومن الاشرار, وأن القوة العسكرية والأقتصادية التى بحوزتهم هي الدليل على رجاحو ذلك الأيمان وبضرورة استخدامها فى حروبهم لأجتثاث ما يصفونه بالأرهاب .. تقريبا لظهور المسيح بعد اقامة مملكة أسرائيل الكبرى وأشاعة العدل والديمقراطية ..

    من يتابع الصحافة الأمريكية يرى بوضوح أن الأصوات الفاضحة لتلك الأوهام بدأت فى التصاعد داخل أمريكا وكيف تشن هجومها اللاذع على أركانها الترويجية بسخرية تكشف أن الفيروسات التى تفترس هذا الكيان العملاق لم تعد مختبئة , زأنها تعمل بمتوالية هندسية مع تنامي وأستمرار امريكا فى سياساتها , وأن سقوط وأنهيار النموذج الأمريكي لم يعد مجرد أفتراض تعوزخ الأسانيد .

أمريكا .. شركة جاهزة للتفكك

أمريكا .. دولة تحزم حقائبها وتستعد للرحيل

أمريكا .. ليست آخر أمبراطورية  تتبخر

----------------------------------------------------------

[email protected]   
[email protected]