كلما أشارك في حفل أو لقاء بلندن يعبر لي دبلوماسيون وسياسيون وإعلاميون ورجال أعمال عن استغرابهم ودهشتهم لما يجري في ليبيا من صراعات واقتتال، ويقولون إن ليبيا بلد يتميز بنسيج اجتماعي وثقافي يتصف بالانسجام بشكل كبير، وهو بلد غني بثرواته الطبيعية المتنوعة، كما أنه قليل السكان، ويمكن أن يصبح بهذه الخصائص من أكثر بلدان المنطقة استقرارا وتقدما، ويمكن أن يسهم في الاستقرار الأمني والسياسي بكل دول الجوار. ثم يتواصل النقاش حول كثير من الأسباب التي أدت إلى فشل عملية الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، وهذا الفشل بأسبابه الوطنية والإقليمية والدولية هو الذي أوصل البلاد لما تعانيه الآن من اقتتال ودمار وبؤس.
ولا شك أن المسؤولية الكبرى تقع على الليبيين، وبشكل خاص على الذين تولوا المسؤوليات التشريعية والتنفيذية، واليوم تقع المسؤولية لإنقاذ الوطن من أزماته على الليبيين قبل غيرهم، فبعدما جربوا الصراع سياسيا وعسكريا ولم يحسم أحد منهم الصراع لصالحه، ولن يستطيع أحد منهم أن يكسب إلا الخسائر البشرية والمادية والآثار النفسية والاجتماعية التي ستبقى لمدة طويلة، الآن وقبل فوات الأوان هناك فرصة أخرى وربما تكون الأخيرة، ترعاها الأمم المتحدة وتساندها بقوة عدة دول مهمة، هذه الفرصة ستجمع أطرافا ليبية قريبا في جنيف إذا تعذر عقدها داخل تراب الوطن، ويهدف الحوار إلى التوصل إلى حلول سياسية تتعلق بمؤسسات الدولة وكيفية إدارتها وكيفية إعادة تنظيمها خاصة الجيش والهيئات الأمنية، وأن يتم كل ذلك بما ينسجم مع أهداف ثورة «17 فبراير»، وكل ثورة إنسانية لا بد أن تضع العدل والقانون على رأس أولوياتها، وأن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود دستور ومؤسسات تشريعية وتنفيذية تجسد السلطات الفاعلة، ولا بد من سحب وإلغاء كل جسم يتناقض مع تلك المؤسسات الشرعية. هكذا تبنى الدول، وهكذا تستمر الدول وتحقق الأمن والاستقرار والخدمات العامة.
هذا الحوار قد لا تكفيه جولة واحدة، وبالتأكيد يحتاج إلى جولات عدة، لكن المهم أن تنجح الجولة الثانية، وأن تسعى كل الأطراف المشاركة إلى ما يجعلها خطوة ناجحة في الاتجاه الصحيح. ولا بد أن يستعد كل طرف - من أجل الوطن والمواطنين - لإعطاء تنازلات لتسهيل عملية الحوار، ولا بد من الاستفادة من خبراء الأمم المتحدة وخبراء لهم تجارب في عملية المفاوضات، وبالتأكيد سيكون لهم حضورهم في لقاءات الحوار الليبي - الليبي. ومن المهم أيضا ألا يتخلى المجتمع الدولي عن مواصلة عملية الحوار، فليبيا مهمة جدا للمجتمع الدولي خاصة دول الجوار ومنها دول أوروبا، وعلى المجتمع الليبي بكل فئاته داخل الوطن وخارجه أن يمارس ضغوطا على الجميع من أجل نجاح الحوار والوصول إلى حلول سياسية سلمية تنهي ما يعانيه المواطن من خوف ونقص في المال والسكن والدواء والعلاج والوقود وكثير من ضروريات الحياة الأخرى.
إن أنظار الليبيين وغيرهم ستكون مشدودة إلى مؤتمر جنيف وما سينتج عنه من نتائج، حيث إن نجاح هذا المؤتمر يعتبر من أهم الأعمال، وأي فشل أو خلاف سيفاقم من الأزمة. إن مسؤولية كبيرة يتحملها المشاركون في مؤتمر جنيف، ونتمنى لهم التوفيق والتحلي بالرصانة والحكمة والانحياز لمصلحة الوطن والمواطنين.

*سفير ليبيا لدى بريطانيا

 

نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط