كان الابن الأكبر للملك ليوبولد الأول أول ملوك بلجيكا الملك ليوبولد الثاني و الذى حكم بلجيكا منذ عام 1865م و حتى عام 1909م أكثر رجال القارة العجوز أهتماما بالقارة الافريقية و أستشكاف ما بداخلها سواء ما يسير فوق ارضها أو ما يوجد بباطن أرضها، فى الوقت التى كانت ملامح القارة الافريقية خافتة و غير واضحة لابناء القارة السمراء أنفسهم، و بدئت أعين ليوبولد الثاني تدقق فى تفاصيل منطقة حوض نهر الكونغو و من هنا جاء أهتمامه بتطوير تلك المنطقة لتظهر لنا دولة الكونغو عام 1885م التى تبلغ مساحتها ثمانون مرة من مساحة المملكة البلجيكية، و التى ضمها الملك لبلجيكا بمساعدة كلا من الولايات المتحدة و بريطانيا لكى يكون اسمها الكونغو البلجيكي قبل أن يصبح اسمها بالاسم المعروف حاليا بكونغو كينشاسا، و أرسل الملك ليوبولد الثاني البعثات الكشفية والمستكشفين، وبدأ يتضح للعالم أن هناك قارة جديدة وسلالات جديدة تأخذ دورها في الحضارة العالمية، وكان للملك ليوبولد أطماع استعمارية في الكونغو . و بعد أن تفتحت عيون أوربا كلها على الكونغو بعد بلجيكا حرصت ألمانيا الا ينجر الاوربيون فى صراع عسكرى بأدغال افريقيا و لذلك تم عقد مؤتمر برلين .

 

وكان من أهم نتائج المؤتمر تكوين الهيئة الدولية لكشف أفريقيا، وادخال الحضارة فيها، وتقرر أن تقوم في كل دولة شعبة محلية تابعة لهذه الهيئة فبادرت بلجيكا بتكوين الشعبة البلجيكية، أما فرنسا فقد كانت الشعبة الفرنسية على رأسها دي برازا، وأدى تسابق فرنسا وبلجيكا على الكونغو إلى بداية تناحر بين الدول الأوروبية وسعى بسمارك الوزير الألماني لعقد مؤتمر برلين لحل مشكلة الكونغو، وعقد المؤتمر في الفترة ما بين 15 نوفمبر 1884 إلى 26 فبراير 1885 وحضر المؤتمر أربعة عشر دولة منها خمس دول كان لها النصيب الأكبر في أبتلاع ثروات القارة الأفريقية، والدول الخمس هي ألمانيا و بريطانيا و البرتغال و فرنسا و وبلجيكا، ولعب بسمار دورا كبيرا في الموازنة الدولية بين تلك الدول فقد أدرك بأنه لابد من منع تصادم الدول الأوروبية وان استعمار أفريقيا لابد وأن يتم دون صدام مسلح، و أن يتم تقسيم الغنيمة الافريقية في اطار و سياق مؤتمر دولي و ليس الخوض فى معارك حربية لذلك كانت الدول الأوروبية مقتنعة إلى حد كبير بجدوى هذا الأسلوب الدولي ونجحت فكرة عقد المؤتمر .

 

الى أن نالت الكونغو حريتها السياسية و أستقلالها و لكن مازالت تبحث حتى يومنا هذا عن حريتها و أستقلالها الاقتصادى، فأقتصاد دولة الكونغو يعتمد بنسبة 95% على الدولار، فالعملة الأمريكية تمثل أهم كتلة نقدية متداولة في هذا البلد متقدمة على عملات البلدان المجاورة مثل الكوانزا الأنغولية و الفرنك الإفريقي و اليورو أيضا، فالاقتصاد الكونغولي يشكل مناخا ملائما لغسيل الأموال و يساعد على إفقار البلاد أكثر و أكثر بما يخدم خزينة احتياط الصرف الاتحادي الأمريكية التي تجني من الأوراق المتداولة بالكونغو الديمقراطية عوائد سيادية تقدر بستمائة مليون دولار أمريكي سنويا . و لا نستطيع أن نغفل صحوة مؤيدى أستقلال الاقتصاد الكونغولى فى الفترة الاخيرة و الذى بات منهم من يعول على قيام المصرف المركزي للكونغو بعملية إصلاح عميقة للقطاع المالي و للعملة الوطنية بهدف إرساء قاعدة نمو اقتصادي مستدام، و لكن الامور لم تنتقل بعد الى أرض التنفيذ بالشكل المنتظر و المرجو من الشعب الكونغولي .

 

جدير بالذكر أن اقتصاد جمهورية الكونغو الديمقراطية هبط بشكل مفاجئ منذ منتصف الثمانينات أى بعد حصولها على الاستقلال عام 1960م و كانت الكونغو ثاني أكبر الدول الصناعية في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا حيث كانت تتميز بتطور قطاع التعدين و الزراعة، و لكن بعد حرب الكونغو الأولى والثانية عام 1996م ساهما في تقليل المنتجات الوطنية و العائد الحكومي و ما ترتب عليه من زيادة الدين الخارجي، وسقوط عدد من الضحايا يزيد على خمسة ملايين جراء المعارك الطاحنة، و سقط وقتها معظم الضحايا بسبب المجاعات و تفشى الأمراض .

 

فبالامس كانت الكونغو تبحث عن أرادتها الحرة و اليوم تبحث عن فرص أقتصادها الحر، فالكونغو التى تعد واحدة من أفقر دول القارة السمراء لديها ثروات تجعلها فى مقدمة الصفوف، كما أن أوربا مازالت تنظر لها، و لكن باب كينشاسا الواقع بقلب القارة الافريقية ليس مفتوحا كفاية سواء لمستثمرين الخارج، أو لرجال الداخل و لاشك أن الاضطرابات السياسية تلعب دور أساسى فى عدم خروج الكونغو من المتاهات . فدولة الكونغو تملك كل الفرص لصناعات التعدين فى الماس و الذهب و النحاس و الكوبلت و الكولتان و الزنك و الاسمنت بجانب معالجة المعادن و هى جميعها صناعات يسيل لها لعاب كبرى شركات الصناعة و التنقيب و التعدين باوربا و الولايات المتحدة كذلك البرازيل التى باتت مؤخرا تتوغل فى مجال التنقيب و التعدين بأدغال القارة السمراء، وتقدر احتياطيات المواد الخام الغير مستغلة بالكونغو بأكثر من 24 تريليون دولار، فكونغو كينشاسا اليوم يتطلع لكونغو جديد بالغد و لكن مازل لا يعرف الطريق الصحيح و سط الضباب السياسى، و كما نعلم الدراجة لا تسير و لا تتقدم نحو الامام بعجلة واحدة بل بعجلتي الاقتصاد و السياسة معا .

 

 

 

الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]