تمثل القوى العسكرية حلول رادعة و سريعة لكثير من المشاكل التى قد تواجه دولة ما، فقد يبدو الامر فى البداية بعد هزيمة العدو و أنتهاء المعركة بأنه قد تحقق انتصار ساحق لتلك الدولة، و لكن قد تكتشف بعد ذلك انها وقعت فى اضرار كثيرة، و  قد اهتزت صورتها امام المجتمع الدولى، و الشعوب و الرأى العالم العالمى الذى لا يختبئ عليه شئ، فى ظل ما نعيشه من ثورة تكنولوجيا المعلومات و الانترنت .
فهناك قوى احتلالها لا يأتى على ارض و حدود جغرافية، بل على فكر و ثقافة مجتمعات ليكون احتلالها ممتد لفترات اطول، و لا يترك اى الغام سلبية الاثر فى المجتمعات التى يخترقها، ففى الوقت الذى فشلت فيه القنابل الذرية الامريكية للقضاء على اليابان، نجد اليابان بعد مرور  السنين و تعاقب الاجيال تتسلل لها قنابل هوليوود الفنية، و تعطى صورة لهم، و للعالم اجمع، ان الولايات المتحدة الامريكية هى السبب الرئيسى فى نهضة و سلام المجتمع العالمي، حتى تمكنت افلام هوليوود ان تمحى اثار القنبلة الذرية بشكل كبير لدى الشباب اليابانى، و الاجيال الحديثة، و هكذا تسللت افلام هوليوود الى قلوب  جميع الشعوب باختلاف لغتهم و ثقافتهم، فمن منا لا يعشق افلام الحركة ( الاكشن )، التى تحقق اعلى نسب المبيعات فى العالم، و من منا لم يحفظ اسماء و اداء نجوم هوليوود، الامر الذى وصل الى رغبة اغلب الشباب لارتداء ملابس تشبه ملابس نجوم هوليوود .
 فاصبحت هوليوود هى القاعدة الفنية التى تنطلق منها صواريخ الولايات المتحدة الناعمة  لسيادة العالم، فهوليوود مصنع الافلام العالمية، و بيت نجوم الفن باتت واحدة من اكثر مصادر الدخل لدى الاقتصاد الامريكي، و مجال كبير لعمل العديد من الشباب الذى يبحث عن فرص عمل .

و على غرار هوليوود و مدى حبنا لافلام الحركة الامريكية، يظهر لنا مارد اخر من القوى الناعمة التى تسهم فى أتساع السيطرة و زيادة النفوذ بدون دماء او عنف، فنرى بوليوود و لكن هذة المرة من مومباى الهندية، لتسمع اذننا لغة جديدة و قصص اروع من الخيال، و تتغير فكرة العالم عن الهند الطائفية الى هند الحضارة، و من الهند بلد الافيال الى هند سحر الطبيعة و الجمال لتنتشر ثقافة اخرى بقوى على الساحة العالمية .

و لكن ساحة القوى الناعمة العالمية لم تقتصر على هوليوود الامريكية و بوليوود الهندية فقط، بل أصبحت القارة السمراء بفضل قطاع صناعة السينما بنيجيريا المعروف بأسم نوليوود، تزاحم الكبار فى عالم السينما، و تنقل مشاعر و واقع المواطن الافريقى بصفة عامة و النيجيري بصفة خاصة للعالم اجمع، و تنتج نوليوود سنويا ما يزيد عن الف فيلم .
 
و بتأكيد ليس فى صالحنا كعرب ان يظل سلاح الفن معطلا، فهو سلاح ذو قدرة خارقة لاختراق جميع دفاعات خلايا المخ المحصنة، و جميع المشاعر النفسية المغلقة، بجانب قدرته على التصدى للافكار الموجه التى تهدف لتضليل و تغييب شعوبنا فى ظل حروب اللاوعى . فهو سلاح مفعوله طويل المدى يمتد لسنوات طويلة و ربما لعقود، و يطفى لنا شرعية جديدة من الشعوب و الرأى العام العالمى، و ليس من الحكام و الانظمة و الحكومات فقط .
فكيف يكون لنا كعرب قاعدة فنية ايضا على غرار هوليوود و بوليوود و نوليوود لكى تنطلق منها حضارتنا و ثقافتنا العربية للعالم مرة اخرى، و يكتشفنا العالم من نافذة جديدة غير كتب التاريخ و الجغرافيا .

فادى عيد
الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]