وحدها ورشفانة تقف اليوم في مواجهة الإعصار الإرهابي الذي تقوده ميلشيات تفجير ليبيا ، قبل ذلك كانت العجيلات  قد تعرضت  في أوائل العام لهجوم ميلشيات صبراتة الإرهابية ومعها من هبّ ودبّ من المرتزقة ، وقبل ذلك ، تحديدا في أكتوبر 2012 تعرضت بني وليد الى عدوان مصراتي مدمّر شرّعه المؤتمر الوطني العام بالقرار رقم 7، وشارك إعلام النكبة في الترويج له من خلال الحديث عن إختباء من قيادات النظام السابق في المدينة ، وقبل بني وليد تعرضت سرت الى القصف والتدمير والإغتيال والتصفيات الميدانية من قبل الميلشيات المهووسة بالقتل والسلب والنهب ، كما تعرضت تاورغاء الى تهجير سكانها وتحويلهم من مواطنين ذوي حقوق الى لاجئين يبحثون عن إعتراف دولي بمأساتهم ،كما تعرضت المدينة للتدمير والتخريب حتى لا يطمح أهلها الى العودة إليها 

وما حدث للقذاذفة والتبو في سبها  سيبقى شاهدا بدوره على عدوانية الميلشيات الليبية المدفوعة بعزة الإثم و عنجهية الفوز الناتوي المزعوم ، وما عرفته المشاشية من إعتداءات متلاحقة وتقفتيل وتشريد وإستعمال للغازات المحرمة دوليا ،وما حدث للقواليش وغيرها من المناطق سيبقى وصمة عار على جباه دعاة الحرية والديمقراطية ممن خلطوا في ليبيا بين الدم والنفط ، وبين اللحم الآدمي ورزم الدولارات 

كثيرة هي القبائل  والمدن الليبية التي تعرضت للعدوان ،وتعرض أبناؤها للقتل والسحل والأسر والتعذيب والتشريد والإغتصاب في سجون العصابات المسلحة والى التهجير القسري الى الخارج ، وكثيرة هي الصفحات السوداء التي تروي تفاصيل ما حدث في ليبيا تحت هتافات « التكبير» وتأثير حبوب الهلوسة وفتاوى العار والخمور المغشوشة والرغبة في تحصيل الغنائم إضافة الى هذا المعين الذي لا ينضب من الحقد الأسود الذي إنفجر من قلوب ليبيين إستغلوا إنهيار الدولة وإنكسار القانون ليمارسوا أبشع الجرائم في حق بني وطنهم وجلدتهم ودينهم ولغتهم 

بالتزامن ، وفي كل مرّة نسمع عن وحدة صف القبائل الليبية وعن مواقفها المشرفة وعن إستعدادها لمواجهة الإعصار  وتحرير البلاد من براثين الميلشيات وعن إندماجها  تحت مظلة إجتماعية واحدة 

غير أن ما تتعرض له ورشفانة اليوم ،قد كشف الحقيقة ،وأكد أن ما حكّ جلدك مثل ظفرك فتولّ أنت جميع أمرك ، فالزنتان عادت بقواتها الى الجبل الغربي حيث ينعم أمراء الحرب بما كسبوا من ثروات طائلة ،وتراجعت عن دورها في طرابلس بعد أن ورطت مقاتلي ورشفانة ثم تخلت عنهم في لحظة يكتنفها الغموض ولا يعرف حقيقتها إلا أسامة الجويلي وسليمان فورتية وربما برنارد ليفي كذلك 

وبقية القبائل ،يبدو أنها تدعم ورشفانة بالدعوات الصالحات ليس أكثر ، فالجميع لا يريد أن يتورط في المعركة ،ولا يقبل بفتح جبهات أخرى خوفا من سلاح مصراتة  المدعومة قطريا وتركيّا ،ومن مقاتلي الدروع وغرفة ثوار ليبيا ومن الميلشيات التكفيرية المنبعثة كالفقاقيع من تحت الأرض على أمتداد الساحل الليبي ،

والجميع يكاد يقول لورشفانة : إذهبي وربك فقاتلا هانحن هنا قاعدون ، وربما يصم أسماعه عن صرخات الثكالى واليتامى والأرامل في الماية والحشان وصياد وطينة و إنجيلة وغيرها من المناطق التي تقصف بصواريخ الجراد من مشارف الزاوية على أيدي ميلشيات أبي عبيدة 

لقد خاب الفأل في القبائل ومجلسها الأعلى وشيوخها وأعيانها ،ولم يعد خافيا أن القبائل ذاتها تعاني من إنقسامات حادة في داخلها ، وربما تلك الإنقسامات هي التي جعلت ميلشيات مصراتة ترفع عصا المؤدب ،وتمارس الخطف والأسر كما حدث في ترهونة قبل أيام ، كما أن هناك خيانات ، وهناك عمليات بيع وشراء للذمم ،وهناك أموال  تًصرف على وجهاء وأعيان ،وهناك وعود بتقاسم الثروة ، أي ذات ما حدث في العراق وأفغانستان عندما نجح الأمريكان في شراء ذمم شيوخ القبائل بحقائب المال والمسدسات الذهبية 

قد يقول البعض أن تهجير مليوني ليبي الى خارج البلاد ساهم في إنخرام التوازن الديمغرافي والإجتماعي في البلاد ،وهذا صحيح ،وقد يقول البعض الآخر أن بني وليد لم تجد نصيرا عندما تعرضت للعدوان ، ولا العجيلات وجدت دعما ، ولا تاورغاء وجدت غير مشاعر التعاطف السطحي ، وهذا كله صحيح ،وقد يرى البعض أن الزنتان باتت تخشى على مصيرها كقبيلة وكمدينة ، وأن بقية القبائل لا تثق في الزنتان ، وقد يبحث البعض عن نقاط ضوء كوجود مقاتلين من القبائل يواجهون محاولات جماعة  تفجير ليبيا إقتحام ورشفانة ،ولكن هذا كله لا يبرّر حالة التخاذل العام في ليبيا ، وحالة الصمت الذي تبدو  أقرب الى التحالف الصامت  مع الميلشيات التكفيرية ، 

إن الحديث عن دور مصيري للقبائل الليبية هو حديث مبالغ فيه ، وقد أثبتت الأيام أن لا شيء يجمع بين تلك القبائل إلا المجاملات الإجتماعية العادية  كالفرح أو الحزن ، بل وقد  يكون أعيان وشيوخ القبائل  فقدوا السيطرة على قبائلهم ، أو ربما إختاروا السلامة الحينية ،أو ربما فقدوا الأمل ، أو ربما باعوا القضية ، ويبدو أن رجال الظرف الحالي تعرضوا  إما للقتل أو الأسر أو التهجير ، ومن بقي منهم يحاول أن يقوم بدور ما ولكن بصفته الفردية ، في حين يؤثر الأغلبية السلامة التي لا تتحقق ، فإقتحام ورشفانة لاقدّر الله سيكون منطلقا لإقتحام بقية المناطق ولإذلال بقية القبائل 

قال الشاعر 

تأبي العصي إذا إجتمعن تكسّرا 

وإذا إفترقن تكسّرت آحادا 

ويبدو أن القبائل الليبية تتكسّر آحادا في ظل تفرّقها الذي لا يخدم إلا الميلشيات التي لا تكفّ عن الدأب للسيطرة على ليبيا وبيعها لمن يقفون خلف الباب ،كما أن تخلي تلك القبائل عن ورشفانة  إنما يعني تخليها عن ليبيا ،وهذا أمر مؤلم وموجع يحتاج الى إعادة النظر ليس في الواقع وحده وإنما في التاريخ كذلك .