لم يعد الكلاشينكوف يفزع حتى القطط فى شوارع طرابلس وبنغازي ,وفقد ال14,5 بهجة الزغاريد ( أبريل 1986) ولوعة الأمهات فى بنغازي , صار الأمر أكثر تعقيدا من طيارة أمريكية بلا طيار تستبيح سماء صندوق الرمال الهائل الذي أسمه ليبيا .. صارت مفردات السيارات المفخخة وكواتم الصوت والأحزمة الناسفة والتلغيم هي الأكثر أستخداما فى ألعاب الصغار. . قبل فبراير 2011 الذي أندلعت فيه الأحداث كان الأطفال فى ليبيا يلعبون كغيرهم من أطفال العالم كرة القدم والسباحة والألعاب الألكترونية الحديثة وهم ينتظرون المولد النبوي للتعبير عن قدراتهم فى الصراع المسلح فيطلقون (الألعاب) النارية التى تلون ليل البلاد وسط سخط أبوي لا يتعدى التقريع اللفظي اللطيف .. لم يعد القصف الجوي مثيرا للدهشة مثلما لم يعد بوسع البوارج أن تخرج مواطنا ليبيا من تحت بطانيته .. لم يعد العثور على الجثث المتفحمة ومقطوعة الرؤوس والمثقوبة بالرصاص والمقيدة بالاصفاد يثير سوى العجائز المكلومات .. لم يعد بوسع شاب فى مقتبل العمر أن يخطط لمستقبل قريب مع خطيبته أو أصدقائه .. لم يعد المستقبل طيفا يلوح فى أفق الشباب .. وصارت المقابر قريبة الى حد مريع ..لم تعد الطيبة والود وجبر الخواطر قابلة للتداول فى بلد ينهشه الحقد والأنتقام والتخوين والتدليس والتزوير والأزدراء المتبادل .. الليبيون أثبتوا ضمن ما أثبتوه من عجائب (( لا يمكن وضعها الا فى خانة الفظائع )) أنهم وحدهم فى التاريخ البشري الشعب الذي دمر نفسه بنفسه .. كانت الشعوب فى المحن تتعاضد وتتساند وتتعاطف وتتضامن وتتأخى وأنا وأخي على أبن عمي وأنا وأخي وأبن عمي على الغريب .. كل الشعوب فى جميع مراحل تاريخ الأجتماع البشري كانت تفعل ذلك لايمانها العميق بأنها الطريقة الوحيدة للخروج من المحنة ومأزق التشظي والتشرذم والفناء .. وحده الشعب الليبي كان الأستثناء لهذه القاعدة ..وحده من أفتتح أسواق المزايدات الرخيصة بهدف خلق الذرائع للقتل والخطف والاعتقال والتعذيب والنهب والترويع والتشريد .. كم يلزم من طبيب نفسي لمعالجة الآثار النفسية لعشرات الآلاف من الأطفال الليبيين من الخامسة الى الخامسة عشر ومحاولة ترميم ذواتهم المتهشمة وتأمين أنهم لن يكونوا من المجرمين أو المعتوهين أو الشواذ .. كم صار يلزم من سماء تعوزها الغيوم السوداء , كم صار يلزم من نحور يرتد عليها كيد الكائدين .. قبل نحو شهرين أو أكثر قليلا التقيت بمفكر عربي كبير السن والقامة وسألنى عن توقعى لنهاية ما يحدث فى بلادي فقلت ليس أقل من عشرة سنوات .. لاح شبح أبتسامة على وجه الرجل وقال أنت متقائل كعادتك .. ما يحدث فى بلادك يا صديقي صار أكبر منكم (....) أنتم تنفذون مخطط غير مسموح لكم تجاوزه .. ليس أقل من خمسين عاما ستظلون فى الدهليز المعتم الا أذا ... قلت على الفور وكأنني أمام أخصائي أو مشعوذ .. الا أذا ماذا ؟ قال وهو يربت على كتفي : الا أذا أستيقظتم من الغيبوبة الكابوسية

كاتبي وصحفي ليبي 

Mahmoud Albosifi
[email protected]