إن الشعارات التي رفعها الغرب  أوائل عام 2011م أبان مباشرته عمليته ( الإستخبارتية ) المسماة ( الربيع العربي ) هي شعارات قوامها ( حماية المدنيين وحقوق الإنسان والديمقراطية والسلام والإستقرار .. الخ ) وعمل على الترويج لها إعلامياً بشكل مكثف ، وتحرك سياسياً لحشد التأييد لها ، وأستصدر القرارات الأممية اللازمة لتنفيذها .. حتى خيل للبعض أن الغرب غير نهجه هذه المرة .. وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من ( التصديق ) بها !! حيث بالغ بعضنا في التفاؤل وشبه طيران حلف الناتو بطيور الأبابيل !! والبعض أراد أن يضفي نوعاً من الصبغة الشرعية فأستخدم مصطلح ( المجتمع الدولي ) !! ليس هذا فحسب بل ذهب البعض بعيداً الى حد القول ( أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام لو شهد هذا الحلف ( الناتو ) لما توانى في  الإنظمام إليه )!! ..  غير أنهم افاقوا بعد فترة ليجدوا أنفسهم أنهم ( مغرر بهم ) وأن التغيير حدث في أسلوب التعامل فقط ؟! ولم يكن التغيير الذي كانوا يعتقدونه !! والمتمثل في الرغبة الصادقة  لدى الغرب في مساعدتنا على النهوض والتطور وتحقيق الحد الأدنى على الاقل من العيش الكريم وربط صلات التعاون معهم  على أساس الإحترام المتبادل ، ولعل المشهد الليبي أكثر وضوحاً للإستدلال على هذا القول على إعتبار أنه توفرت فيه كل جوانب ( التدخل ) إعلامياً وسياسياً وعسكرياً ، ولعل السؤال البديهي الذي دار ويدور في أذهان الكثيرين هو لماذا تدخل الغرب في ليبيا بهذه القوة المفرطة والمدعمة بحماس وإصرارعجيبين وبمجرد التخلص من نظام الحكم القائم وقف موقف المتفرج على مشاهد الفوضى العارمة التي حلت بالبلاد وأدخلتها في دوامة حرب أهلية لا تبق ولا تذر ؟ .

و الإجابات على هذا السؤال جاءت مختلفة ومتباينة وهذا دأب التحليل السياسي  ومن أبرزها :

v      رغبة الغرب في السيطرة على النفط الليبي .

v      تنصيب نظام حكم خاضع لهم .

v      حماية المدنيين .

v      نقاء سريرة الغرب ورغبتهم الصادقة في مد يد العون .

v      إستجابة لطلب المجلس الإنتقالي الليبي .

v      رغبة الغرب في إنشاء قواعد عسكرية على الأراضي الليبية .

v      تصفية حساباتهم مع القذافي الذي ناصبهم العداء طيلة فترة حكمه .

     وبعيداً عن شماعة ( نظرية المؤامرة ) التي تعودنا تعليق  إخفاقاتنا عليها بداع ودون داع .. فإن المتمعن قليلاً في الأحداث ومجرياتها والمطلع على المحطات المهمة في التاريخ السياسي ، والمتتبع لوسائل الإعلام يلاحظ بسهولة أن  الغرب ماضٍ  في تنفيذ إستراتيجية محددة واضحة المعالم والأهداف هُيئت لها كافة آليات التنفيذ وسخرت لها كل عوامل النجاح ودُعمت بعقيدة راسخة تتمحور حول ( التأمين والوقاية من المد الإسلامي ) خاصة بعد إنتهاء الحرب الباردة وتفكك ( الاتحاد السوفيتي ).. حيث يرون أن الدول العربية عامة والدول المطلة على ساحل البحر المتوسط خاصة تشكل خطراً محدقاً بحلف شمال الأطلسي مع مرورالوقت ، إذا توفرت لها سبل الإستقرار والأمن وإمكانات التطور الاقتصادي والعلمي .وشهدت نهضة في المجال التقني .. خاصة أنه في الوقت الراهن الذي  أصبح فيه البحث العلمي أقل تكلفة وأقصرزمن  ولعل بروز( النمور الآسيوية ) ودول  مثل جنوب أفريقيا وتركيا وإيران كقوى اقتصادية وعسكرية في زمن قياسي خير دليل على ماذكر. علاوة على ان الغرب لا يريدون إستنساخ التجربة الكورية الشمالية والإيرانية في الأبحاث النووية من قبل الدول العربية ..على إعتبار أن النتائج الناجمة على هذا الاستنساخ ستكون ( كارثية ) عليهم .. نظراً لتوفر أشتراطات إندلاع الصراع ( عقائدياً وتاريخياً وجغرافياً ) .. وبالعودة الى الحالة الليبية فإن أهمية موقعها الجغرافي المتميز  وسعة مساحتها ، وثرواتها الطبيعية الهائلة ، والتجانس الاجتماعي بها ، والأمن والأستقرارالذي سادها طوال  النصف الأخير من القرن الماضي ..  جعلها مرشحة لأن تكون نواة إنطلاق الصحوة العربية نحو النهوض والاتحاد مع المحيط الافريقي والآسيوي ، وهذا ما جعل الغرب يتلقفون الفرصة الذهبية التي لاحت لهم في فبراير2011م  بالتدخل في ليبيا حيث رابطت الاساطيل الاوربية قبالة الشاطيء الليبي قبل صدور قرار مجلس الامن بفرض حظر جوي على ليبيا والتدخل العسكري فيها .. وفور صدور القرارأعملوا آلة القتل والدمار فيها فقضت على المؤسسة العسكرية وبنيتها التحتية ومعداتها وتسليحها التي دفع ثمنها من قوت الشعب الليبي وغذوا طرفي النزاع وأشعلوا نار الفتنة التي أستعرت وطالت السنتها ( الاخضر واليابس ) على حد سواء.. وحققوا غايتهم المتمثلة في خلق حالة عدم إستقراروتمزيق النسيج الاجتماعي بإحياء النعرات العرقية ( عرب وبربر وطوارق وتبو وقريتلية ) وإثارة الحساسيات القبلية (الزنتان والمشاشيه – النوائل وزواره – التبو والزويه – ورفله ومصراته – ورشفانه والزاويه- العجيلات وصبراته – والصيعان والبربر ..الخ ) وأدخلوا البلد في دوامة الإنفلات الأمني . فلو كان الغرب كان هدفهم تخليص البلد من ( القذافي ) كما يعتقد البعض..  لماذا لم يقومو بقصف مقر إقامته من البداية ؟ حيث أنه ظهر أكثر من مرة في باب العزيزية على الهواء مباشرة .. بل وقام بالتجول في شوارع العاصمة جهاراً نهاراً في عدد بسيط من حراسه !!.. وأقمارهم الصناعية وطائراتهم تغطي السماء وترصد كل شاردة وواردة وتوجه الضربة تلو الأخرى لأهداف محددة وبدقة متناهية.. لقد أنتظروا حتى أحتدم الصراع وكبرت الهوة بين طرفي النزاع وصار من الصعب إيجاد حل سلمي للأزمة وقاموا في شهر مايو 2011م بتوجيه بعض الضربات لمقرات (القذافي ) نتج عنها مصرع نجله ( سيف العرب ).

      إن تشدق بعض من تصدروا المشهد السياسي الليبي بالقول أنهم  هم من عمِلوا على عدم نزول قوات أجنبية على الأراضي الليبية هو أمر ( مثير  للضحك ) !! فلو أراد الغرب ذلك لن ينتظر موافقة أحد حيث لديه كل المبررات بما فيها  الغطاء القانوني اللازم ولديه ( العملاء على الأرض ) ويمتلك السطوة التي تلجم وتسكت الافواه المتشدقة بالمحافظة على السيادة والإستقلال .. ولو كانت لدى الغرب النية الصادقة لمساعدة الليبيين على الخروج من هذا المأزق كما يظن البعض .. لتولى عملية جمع السلاح المنتشر في البلد الذي يشكل أكبر عائق في طريق إستقراره !! و التي لن تستغرق منهم بضعة أشهر نظراً لما يمتلكون من سطوة  وإمكانات و خبرة  في هذا المجال .

     إن الرأي القائل بأن أطماع الغرب في النفط الليبي هي الدافع وراء تدخلهم عسكرياً في ليبيا .. هو رأي صحيح الى حدٍ ما .. ولكنه لم يكن  السبب الرئيسي ، وبإلقاء نظرة سريعة على قطاع النفط الليبي أثناء حكم ( القذافي ) نجد أن عمليات الإستكشاف والإنتاج  النفطي والغازي جلها تستحوذ عليها شركات غربية ، وأن نسبة صادرات النفط  الليبي الى الغرب تقدر بحوالي ( 95% ) ، وأن السياسة التي تنتهجها ليبيا في إدارتها وتسويقها لمنتوجاتها النفطية لم تكن  تتمتع بهامش  كبير من الاستقلال لأنها تقع تحت وطئة الحاجة لبيع النفط بإعتباره المصدر الوحيد لدخل البلاد .. وكل ما تستطيع الدولة الليبية المناورة به لرعاية مصالحها وتحقيق بعض أغراضها لا يتعدى  قليلٌ من الضغط على الشركات النفطية الغربية في تجديد العقود أو في إبرام عقود جديدة ، حيث أنه حتى في أوج الخلافات (الليبية / الغربية ) لم يتوقف تصدير النفط الليبي الى الغرب ، ولعل خير دليل على ماذكر عدم إكتراث الغرب بالإضطرابات التي تعصف بقطاع النفط الليبي منذ فبراير2011م حتى الآن .

     استيقظوا ياأهل ليبيا ردّوا أولادكم الممتطين آلات الدمار .. المنتشون بعزة الإثم . ضعوا حداً للمتاجرين بالدين الحنيف . أقطعوا الطريق على طلاب التسلط أصحاب الجنسية المزدوجه الذين تربوا في أحضان الغرب .. ادركوا الفرصة فما زالت سانحة .. سبيل الصلاح واضح وأجدى  وسبيل الخراب أوضح وأنكى .

 كاتب ليبي

نقلا عن رأي اليوم