عبدالواحد حركات

طرابلس – ليبيا

مواجهة الليبيون للتغيير ومحاربته رد فعل منطقي ومتوقع إزاء الآلية المربكة التي حدث بها التغيير .. ورد فعل اعتيادي ناتج عن حالة السكون أو الموت السريري الذي كان يعيشه المجتمع الليبي قبل ظهور " سيف القذافي " على ركح السلطة ونشاطه وأعماله الغير مدعمة لإحداث التغيير ولإحلال حالة نظام بديل لنظام المؤتمرات الشعبية دون الطعن أو المساس بشخصية " معمر القذافي " .. أو تسفيه اللجان الثورية وتعريتها كحزب شيوعي " معدل " مستأثر بالحكم ويحتكره بأسلوب العزل السياسي لكل الليبيين الغير منتمين إليه ..!!

بعد صدور تقرير الأمم المتحدة بخصوص تغيير أنظمة شمال إفريقيا حاول " القذافي " صياغة وتوجيه التغيير بأسلوبه ونقل السلطة إلي نجله " سيف " .. وتفريغ اللجان الثورية بمنظومة القيادات الشعبية برئاسة " سيف " وتحويل ليبيا إلي كتل إجتماعية إستعداداً لبناء دستور وتكوين الأحزاب من منطلقات إجتماعية وتحالفات بعد تسريب قيادات اللجان الثورية داخلها وتمكينهم منها .. كانت عجلة " سيف " تدورباتجاه إلغاء المؤتمرات الشعبية وحل اللجان الثورية وطمس " القطط السمان " ممثلي " معمر القذافي " .. ولكنها كانت تدور ببطء وأجبرت على الوقوف مراراً .. وقد نفذ صبر من أمروا بالتغيير وصبر من يريدونه داخل ليبيا وظهر الفساد جلياً وانخفض حاجز الخوف وحان موعد التغيير متزامناً مع إرتداد " معمر القذافي " ..!!

وقع التغيير وكان فظيعاً .. وطال بشكل استثنائي الجميع " على المستوى الفردي " فاتخذ كل ليبي موقفه الخاص من التغيير , وباختلاف المراكز والمصالح والإنتماءات والأضرار اختلف الليبيون أفراداً وأسر .. وحدث الشقاق الاجتماعي حتى داخل الأسرة الواحدة أو العائلة الكبيرة .. وامتد ليكون شقاق عشائري بعدما طمست أقليات " مع أو ضد " داخل القبائل وحدثت الهجرة القسرية للمخالفين " أفراد وأسر "  لطواطم ومبادئ العقول المسيطرة على العشائر ونبذوا خارجها .. !!

لم يتجاوز التغيير مرحلة الأفراد بسلام بل ترك أدران ومآسي وأحقاد وثأرات .. جميعها كانت تجمع يوماً بعد يوم بين الأفراد وتحولهم إلي كتل مرئية فاعلة " تصنع الفعل " باتجاه التغيير وضده .. واكتسبت مقاومة التغيير زخم كبير وقبول واسع بسبب الخروقات التي اقترفها المؤدلجون والعشائريون تحت مسمى الثورة و ضد الأفراد والمجموعات .. وتشوه التغيير بعدما وسمه الثورجيون بالقبلية أو الأسلاموية وضحوا برموزه المنتمين للوطن فقط ..!!

قتلوا " عبدالفتاح يونس " ليسكبوا التغيير بساقية " علي الصلابي " وافزعوا " محمود جبريل " ليجلس " عبدالرحمن السويحلي " بقمرة القيادة ويرقص " نزار كعوان " على جثث الليبيين مفاخراً بـــ " أخوانجيته " السياسية وليس المعتقدية .. ولتعبق بطرابلس رائحة البارود والدماء بدل الياسمين الطرابلسي ..!!

ما يحدث بليبيا اليوم ليس غربياً عنها .. فأدراج الماضي تعبق برائحة علي برغل ويوسف القرمانللي وابن غانية وقراقش وفرسان القديس يوحنا وحروب القبائل بعد " 1915" في بن وليد ومزدة والجفرة وجبل نفوسة .. إن طرابلس الدامية اليوم بيعت في ماضيها بدراهم معدودة  وهجرها أهلها لعقد من الزمان .. كما هجر الليبيون أرضهم واستوطنوا بتونس ومصر هرباً من نير الفاشست .. !!

الغرور وكرنفالات التسلح والقتل المجاني والتهجير لن تجدي أحد ولن تبني وطن ..  فطريق الليبيون نحو المستقبل يمر عبر .. مصافحة حقائق الحاضر ورفع الستار عن أخيليات الماضي وهرقليوه وتنقيتها , والعمل على اعلاء الوطن بعيداً عن الشخصنة أو القبلية وتجميع هوية الوطن الواحد بمننماته الفسيفسائية  , وقبول التغيير وتوجيهه باسلوب براغماتي وقبول الاخر المختلف في بوتقة الوطن والاندماج للعبور الي المستقبل بسلام ..!!!

كاتب ليبي