الازمة السورية و احدة من أعقد الملفات ليس بالمنطقة بل بالعالم كله ليس لتشبث فريقي  الداخل المعارضة و النظام برائيه، و لكن لتحول سوريا لحلبة صراع بين القوى التى داخل سوريا و كذلك القوى التى خارجها بالاقليم، و فى لحظة وصول جميع الاطراف الى طريق مسدود، جاء تنامى خطر داعش بعد عبورها الحدود السورية متجها للعراق مهددا بشكل مباشر السعودية و الكويت و الاردن و لبنان التى أخترقها ببلدة عرسال الواقعة بشرق لبنان، كذلك مهددا الامن القومى المصرى عبر أتصال داعش بجماعة أنصار بيت المقدس المتركزة فى شمال سيناء، أو عبر تهديدات جماعة أنصار الشريعة المتواصلة على الحدود المصرية الليبية، كذلك خطر داعش على حلفاء طهران بالمنطقة و تهديد نفوذها بالعراق و سوريا، و هنا أصبح الجميع يتفق على هدف واحد و هو التخلص من الارهاب الاسود الذى بات يأكل الاخضر و اليابس، و لكن كيف يتم ذلك و لكلا من طرفى النزاع بالملف السورى أستراتيجية و أهداف مختلفة تماما عن الاخر، و كلا منهما يبنى مشروعه على حساب هدم الاخر، بداية بدئت أيران تتحرك فى جميع الاتجاهات و تجس نبض جميع الاطراف فتارة تطرق الباب العربى بعد أن أشاد الامين العام لحزب الله " حسن نصر الله " بدور مصر فى أتمام التهدئة بقطاع غزة، و الرد على إفتراءات " أردوغان " الذى أتهمه " حسن نصر الله " بأنه أستغل الازمة بغزة لشن حرب أعلامية على الرئيس المصرى، و كذلك قناة الجزيرة القطرية، ثم تلاه تصريح مستشار المرشد الاعلى للثورة الاسلامية الايرانية " على أكبر و لايتى " و يقول أن انتصار الشعب الفلسطيني وصموده ضد العدوان الاسرائيلي الغاشم على قطاع غزة لم يكن يتحقق لولا دعم مصر . و تلك التصريحات الايجابية لاول مرة فى نظام الخومينى لم تكن تحدث لولا تصريح  الرئيس المصرى " عبد الفتاح السيسى " بأن مصر ليست منحازة لطرف معين فى سوريا و أنها تقف على مسافة و احدة من الجميع سواء النظام أو المعارضة، و ذلك أثناء أجتماعه بالاعلاميين المصريين، و من قبله تصريح وزير خارجية المملكة العربية السعودية الامير " سعود الفيصل " عندما صرح أننا لم نعد نريد اسقاط النظام السورى .

فالملف السورى أصبح فى الفترة الاخيرة و بتحديد بعد توسع نفوذ دولة داعش الارهابية قد وضع جميع الاطراف الاقليمية على خط واحد فى مواجهه تنظيم داعش، فطهران و جدت حلفائها يتأكلون فى سوريا و العراق على يد داعش كما ذكرنا من قبل، و الخليج العربى و جد أسلحة داعش مصوبه نحوه، و بات كل يوم يزداد تهديد جماعة أنصار الشريعة على  مصر  من الناحية الغربية تجاه الحدود المصرية الليبية، بجانب تمركز جماعة أنصار بيت المقدس بشمال سيناء، كما أنها تتابع تحركات داعش بالعراق تحسبا لاختراق خطوط أمنها القومى من الناحية الشرقية بدول الخليج العربى، و بتلك الخريطة و ما يحدث من تغيرات دائمة و سريعة فى معادلات المنطقة السياسية و الامنية علينا أن نسئل أنفسنا هل القوى الاقليمية التى كانت متصارعة بالامس على الاراضى السورية مهيئة الان للتوحد أو على أقل تقدير التنسيق الامنى و العسكرى لاقتلاع داعش و مشتقاتها فى المنطقة من جذورها، أم سنستسلم لتصريحات الرئيس الامريكي " باراك أوباما " عندما قال أن خطر داعش سيستمر لسنوات بالمنطقة، و لن يتم القضاء عليها فى فترة قصيرة او بسهولة .  

بعد عودة مصر من جديد بثقلها على مسرح الاحداث بالمنطقة بدئت القاهرة تجس نبض جميع  الاطراف السورية المتنازعة تمهيدا للتقدم بالملف السورى الى الامام لكى تنهى الازمة  السورية و تغلق ذلك الملف الدموى المعقد، بعد أن تتقدم بمبادرة تنول و ترضى قناعة جميع الاطراف بسوريا مدعومة من اشقائها بالخليج و موسكو كالمعتاد، مبادرة تجنب سوريا أى تدخل عسكرى غربى يكلف الجميع الكثير و الكثير .

نعم أيران تسير سياسيا و دبلوماسيا فى جميع الاتجاهاتو تطرق جميع الابواب بالغرب و الشرق، و لكن عليها حسم الامر و بوضوح أذا كانت ستتبع نفس سياسته الانتهازية تجاه الغزو الامريكي للعراق، أم ستغير أستراتيجيتها فى تلك المرة . و يبقى للعم سام حلفائه الدائمين الذى يتكئ عليهم بالاقليم عند تغيير أى معادلة سياسية و أمنية و هو بالفعل ما ضمنته واشنطن قبل القدوم على أنشاء تحالف دولى لمواجهه داعش من قبل الخليفة العثمانى " أردوغان " الاول، و الامير " تميم " خادم القاعدتين الامريكيتين .

و جائت تحركات الولايات المتحدة الامريكية مشبوهة و ساذجة، فالرئيس الامريكى " باراك أوباما " صاحب الخيال المحدود أن لم يكن المعدوم لم يجد وسط تلك المعادلات المعقدة سوى السير على نهج الطائش " جورج بوش "، فقد تقدم الرئيس الامريكى الحالى بأقتراح تكوين تحالف دولى يشمل دول بالمنطقة تحت مظلة الولايات المتحدة لمواجهة داعش، نعم داعش  التى أشرفت واشنطن على صناعتها من البداية، و هو نفس الامر الذى أتبعته الولايات المتحدة مع الرئيس العراقى " صدام حسين " بعد أن أعطت له الضوء الاخضر لغزو الخليج، ثم تدخلت بعدها الولايات المتحدة عسكريا بعد أن مارست عملية أبتزاز سافر ضد دول الخليج، ثم دفعت بعدها دول الخليج ثمنا باهظا كفاتورة لانقاذها من " صدام حسين " كما قالت الولايات المحدة نفسها، فما بالكم كم سيكون الثمن الذى ستطلبه الولايات المتحدة الان .

 

الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]