ما يجري حاليا في ليبيا يؤكد حقيقة الجريمة التي إرتكبها حلف الناتو وأتباعه من الجماعات الدينية المتطرفة وتنظيم الإخوان ، وماروّج له الإعلام المتئامر من جهة والمرتزق من جهة ثانية من أكاذيب كان وراء إستباحة بلد وسفك دماء أبنائه تحت شعار « الثورة » 

وطيلة أكثر من عامين ، كانت أغلبية الشعب الليبي تعاني من نتائج الحرب الظالمة عليه ، فثلث الليبيين تم تهجيرهم من ديارهم الى الخارج ، مليون في مصر ، أكثر من نصف مليون في تونس ، ومئات الاف في النيجر وتشاد والمغرب والجزائر وفي دول الخليج وأوربا وأمريكا اللاتينية .

وعشرات الآلاف لا تزال في الخيام بعد تهجيرهم من مدنها الأصلية من قبل الميلشيات المسلحة و400 مليار دولار ذهبت هياء منثورا   في زمن حكومة الكيب ثم حكومة الكيب وقبلهما المجلس الإنتقالي ،وتحولت ليبيا الى دولة ميلشيات تتصارع ،وعصابات تفتك بالإبرياء ، وسجون سرية ، وقتل على الهوية ، ونهب ولصوصية وإغتصاب وأصبح التراب الليبي مأوى لكل الجماعات الأرهابية القادمة من دول مختلفة من بينها تونس والباكستان وأفغانستان ومصر وسوريا والجزائر ودول الصحراء وغيرها ، وأنقلبت ليبيا الى دولة مصدرة للسلاح والإرهاب ،تهدد جيرانها ،في حين تعجز الدولة عن تشكيل أية قوة حقيقية ، وخضعت السلطات للميلشيات التي تتكون من إرهابيين من تنظيم القاعدة وتنظيم أنصار الشريعة القريب منه وسعى تنظيم الإخوان المسلمين للسيطرة على ليبيا مدعوكا بمشروع تركي قطري لم يعد يخفى على أحد  .

أما أغلبية الشعب من أبناء القبائل فكانت تقبض على الجمر وتعيش المعاناة اليومية ،وهي التي كانت واضحة منذ البداية في دفاعها عن نظام القذافي ورفضها الإصطفاف  مع عصابات الناتو ، وعندما نتحدث عن القبائل  يكفي أن نذكر ورفلة وترهونة وورشفانة والمقارحة والعجيلات والنوايل والصيعان ، ويكفي أن نلتفت الى قبائل الطوارق في الجنوب التي لم تعترف بثوار الناتو وحكومتهم المستوردة من الخارج ، والى قبائل التبو التي عانت من عنصرية ميلشيات الحكومات المؤقتة ،ومن إتهامها بأنها دخيلة على ليبيا وقادمة من التشاد والنيجر بسبب سمرة وجوه أبنائها 

وما يحدث اليوم في ليبيا ليس بعيدا عن التحولات الاقليمية والدولية ، فالعالم إكتشف كذبة الربيع الليبي ، وأدرك كيف تحولت ليبيا الى مصدر خطر على جيرانها ، فمنها بات ينطلق الأرهاب والسلاح والمال الملوّث ، والعصابات المسلحة ، وفيها يجد الخارجون عن القانون  في دولهم ملاذا لهم وملجأ لمخططاتهم الإرهابية .

وترفض دول الساحل والصحراء أن يستمر الوضع على ماهو عليه في ليبيا  ، وترفض مصر أن يهدد الإنفلات الليبي أمنها القومي ، وترفض الجزائر أن تكون حدودها مستباحة من قبل الجماعات الإرهابية المتطرفة وتجار السلاح ومهربيه من داخل التراب الليبي ، وتعرف الدول الإوروبية حجم الكارثة التي باتت تستهدف المنطقة بسبب الوضع الليبي .

ولن تقبل فرنسا مستقبلا أن يتعرض حلفاؤها في المنطقة الى التهديد اليومي بسبب عجز الحكومة الليبية على كبح جماح الإرهاب وجمع السلاح وحل الميلشيات ومواجهة الإرهابيين 

ولا يمكن لروسيا أن تصمت طويلا بعد أن فشل المخطط الأمريكي في المنطقة والذي كانت واشنطن تديره عبر حليفيها القطري والتركي وجماعة الإخوان ، ولن تقبل الصين بأن تتعرض مصالحها وإستثماراتها في المنطقة الى مزيد من التهديد المباشر بسبب الخراب الليبي المستفحل .

وكل هذا وغيره ، يساعد القبائل اليبية  على خوض معركتهم الحاسمة التي بدأت فعلا ،وإنطلقت شرارتها بالسيطرة الكاملة على كامل مناطق الجنوب إنطلاقا من مدينة سبها ، كما أعلنت قبائل العجيلات وورشفانة التحدي وحرّرت مناطقها من الميلشيات وتصدت لهجومات القوات الحكومية المتكونة من ميلشيات القاعدة والإخوان وأنصار الشريعة ،وباتت مناطق ليبية أخرى تنتفض على الحكومة ، وترفع العلم الأخضر ، وتوجه أبناءها لخوض معركة المصير .

ومهما كانت النتيجة ،فإن الحرب في ليبيا لن تنتهي بسهولة ،وستتواصل المواجهات الفعلية بين أغلبية الشعب من جهة وبين الميليشيات الحكومة والجماعات الإرهابية من جهة أخرى