تحدث في المقالة السابقة (http://www.nagibarakat.com/?p=364) عن القبيلة وكيف تكون العصبية أداة جيدة في حل الصراع الاجتماعي ولكن لا تنفع في حل الصراعات السياسية. العصبية كما ذكرها أبن خلدون هي وليدة القبلية. التعصب ليس به أي عيوب طالما الهدف هو العمل مع فريق يريد حل مشاكل القرية أو المنطقة اجتماعياً الى أن يتواجد جيش وشرطة وتطبق القوانين وتحكم المحاكم بما يقره القانون. ليبيا الأن بدون جيش ولا شرطة ولا قضاة ولا محاكم. مثل الغابة، أذا أنت على اختلاف مع شخص فمن السهل أن تقبض عليه ويودع السجن بعد أن تتم الوشاية فيه بأنه مع الكرامة أذا في غرب ليبيا أو مع فجر ليبيا أو شروق ليبيا أذا هو في شرق ليبيا. الجنوب الليبي، أي شيء يجوز. هكذا أصبحت ليبيا هذه الأيام وينطبق عليها " ها المخطر مبروك حاله"

اليوم كنت أراجع بعض ما كتبته وانا في الثانوية. وجدت هذه الكلمات قالها جدي الله يرحمه. عندما كنت معه علي ظهر الحمار وعمري 6 سنوات للذهاب الي السوق يوم الخميس. كنا في الطريق وإذا برجل يستوقفه ويطلب منه ان يشتري له كيلو طماطم. قال له باهي وتحشم يطلب منه فلوس. بعد ما ذهب الرجل. قال "ها المخطر مبروك حاله". لم افهمها وسمعتها كثيرا خلال طفولتي وبعد. تقال عندما الانسان يقع في مشكل ولا أحد يدله على الحلول. الليبيين يقولون فيها كثيرا وسمعتها حتى في اجتماعات على مستوي الدولة. هل هي تستر ورا عدم القدرة علي أخد القرار او هي شيمة من شيمات الأدب واحترام الآخرين بعدم الرد عليهم بحزم
 

الحديث على القبيلة والساسة يأخذنا أولا للحديث عن السياسة الاجتماعية (social policy) وهي خاصية يعرفها الساسة ولا يعرفها شيخ القبيلة أو من يفصلون في القضايا بالعرف الاجتماعي. "السياسة الاجتماعية هي أداة تعتمدها الحكومات لتنظيم وإكمال مؤسسات السوق والهياكل الاجتماعية. وغالبًا ما يتم تعريف السياسة الاجتماعية بأنها الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والوظيفة والأمن الاجتماعي. ولكن، تعني السياسة الاجتماعية أيضًا إعادة التوزيع والحماية والعدالة الاجتماعية".  (http://esa.un.org/techcoop/documents/SocialPolicy_Arabic.pdf).

كل هذه الأشياء يكون للساسة رأي فيها وهم من يقوم بوضع الاستراتيجيات لهذه الأشياء كلها. لهذا لن تجد شيخ القبيلة سياسي يخطط لهذه السياسات الاجتماعية وأنما يحث ويرغب قبيلته بأن يقبلوا سياسة الدولة الاجتماعية. أي يقرب بين الساسة وشعوبهم.  الساسة هم من يحاولون ربط السياسة الاجتماعية بالنمو الاقتصادي وليس الرفاهية كما يريدها بعض الناس. كذلك السياسي هو أداة لربط الدولة بالمواطن وتنمية روح العطاء فيهم من أجل تنمية الوطن. أما شيخ القبيلة فهو الوسيط دائماً بين الدولة والمواطن في العلاقات الاجتماعية وليست السياسات الاجتماعية.

 

السياسة الاجتماعية وماذا نجحها في ثورات الربيع العربي. حيث هذه الثورات لم تجلب لشعوب الدول العربية غير حقبة جديدة من العبودية والحرب والدمار.  لقد تخلصت الشعوب من د كثوريات حكم الفرد وعائلته وقبيلته وعشيرته. ليبيا تعاني من هذه الحقبة والتي أدخلت الليبيين في حرب لا نهاية لها بين أبناء المناطق والقبائل والعشائر. يقود هذه الحرب الجماعات الدنية المتطرفة والمعتدلة منها. من لم يشاركوا في الحرب اشعلوها وهم يتفرجون الأن وهم من أربك العملية السياسية في ليبيا والتي انطلقت يوم 7 نوفمبر 2012م. كانت انطلاقه جيدة ولكن نوايا الاخوان المسلمين كانت سيئة وكان ردة فعل التيار المدني سيئة كذلك بعدم تحالفهم مع بعض رغبة منهم بأن يحكموا ليبيا. نجح الاخوان في تقسيم التيار المدني وجعلوا جبهة الإنقاذ في صفهم وكذلك الثوار وبقية شلة من جماعة التيار المدني تصارع في الاخوان وفقدت ليبيا أول تجربة سياسية ديموقراطية.  هذا نتيجة أن هذه الثورات لم تضع في حسبانها السياسة الاجتماعية والتي هي ما تريدها شعوب المنطقة ولا تريد سلطة ولا كراسي وأنما سياسة اجتماعية عادلة تضمن لهم العيش بأمان وحرية ورخاء. لكن هذا لم يحدث وأصبحت ليبيا دولة فاشلة.

هنا لجاء المجتمع الدولي لفرض حل سياسي ولكنه لم ينجح والأن يلجؤون للقبيلة لحل هذه المشكلة ومصر تقود العملية القبلية رغبت منها بأن تضل ليبيا هكذا وتكون القبيلة والعشيرة هي الفيصل حتى لا تنهض ليبيا وتغيب السياسة الاجتماعية نهائيا عن الشعب الليبي وبيداء في التعبد والتقرب لسلطان القبيلة والذي لا يهمهم سياسة اجتماعية ولا أي شيء غير أنه يأكل الكسكسي والبازين ورز مزبب. هكذا تريدنا مصر ويجب ألا تلعب مصر أي دور سياسي في ليبيا لأنها لا تريد الخير لليبيين وتريد ليبيا أن تكون قبيلة تابعة لمصر كما يفعل أولاد علي.

 

اجهاض الدولة يتم من مناصرة القبيلة حيث القبيلة لا ترعي مصلحة الدولة وانما ترعي مصالحها ومصالح افرادها فقط. شيوخ القبيلة يريدوا الغنيمة فقط ولا يفكرون في السياسة الاجتماعية. لهذا تراهم يتحدثون ويتحاورون من أجل رقعة ضيقة لهم وليس كوطن. تفكير ضيق خالي من الاستراتيجيات والطموحات ومبني على ماذا سنتحصل من هذا كله. أما الساسة فهم قادرين على تخطيط ووضع استراتيجيات السياسات الاجتماعية.

لو اشتغل الاثنين مع بض الساسة والقبيلة فسوف يكون هناك حل مؤقت لمشكلة ليبيا ولكن على طول المدي يجب أن يكون للساسة مكان لتنفيذ رغبات الشعوب وخاصة السياسات الاجتماعية. القبيلة ستساعد في رد أبنائها ومحاولة تهدئتهم وقبول شروط المتحاورين من الساسة. القبيلة ليست بكل ربوع ليبيا وهي متمركزة في عدة مناطق ولكن بعد الثورة اشعلت القبلية من جديد وأصبحت القبيلة تمثل المدينة الفلانية والمنطقة الفلانية وحتى أهالي طرابلس بدئوا يبحثون عن مناطقهم. الأسواء أن هناك ناس ممن يقطنون بنغازي ولمدة أكثر من مائة سنة، ناصروا مصراته في حربها ضد الجيش ببنغازي وتخلوا عن بنغازي مما اضطر أهالي بنغازي وبعض مدن شرق ليبيا لطرد هؤلاء.  القبلية والمناطقية رجعت وبقوة لليبيا رغم أن ليبيا لا توجد بها الطائفية وهي معدومة في شمال أفريقيا.

"ها المخطر مبروك حال" يترجم هذا الوقع وليبيا في ورطه كبيرة واللجوء للقبيلة لن يحل موضوع السياسة الاجتماعية. القبيلة يمكن أن تساهم في دفع الساسة ومساندتهم لرسم السياسة الاجتماعية لليبيا ولكن هذا يحتاج الى وقت وعمل والوقت ليس في صالح الليبيين وهم عانوا 42 سنة والان ثلاث سنوات من القتل والدمار والخطف والذبح والسرقة والنهب. الحل ربما يكون في تطبيق السياسة الاجتماعية أذا نجح حوار الصخيرات بعد ما تتم تقويته بعلاقات القبائل واحترامها لبعضها ومراعاة خيارات الشعب الليبي.

 

ليبيا قادمة بعون الله

د ناجي جمعه بركات

وزير الصحة سابقا-المكتب التنفيذي

استشاري امراض مخ واعصاب اطفال

 

الاراء  المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة