12,9925مليار دولار تم جمعها بالكامل من (مدّخرات المودعين والمساهمين الأميركيين الصغار، ومن دافعي الضرائب، ومن بعض المصارف الأميركية ) هي كامل المبلغ الذي أعلن الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية ووزير الخارجية فى خطاب له في الخامس من يونيو 1947 أمام جامعة هارفارد تخصيصه لاعادة اعمار أوروبا في أعقاب الحرب الكونية الثانية . تحت أشراف منظمة تم اطلاقها تحت أسم منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي .

كانت أوروبا انذاك مساحة هائلة من الشقاء, الذي وفره الدمار الشامل الذي يمكن الأطمئنان لوصفه بالممنهج , وهو ما أنتج ارتفاع مؤشرات البطالة الى 88% , ووقوع ما يفوق 90% تحت خط الفقر, وأسهم بالتالي فى أنتشار المد الثوري وتمدد الحركات اليسارية خاصة فى ايطاليا وفرنسا , الأمر الذي دعا واشنطن للأسراع فى اعلان مشروعها ( مارشال ) لمحاصرة ذلك المد وخنق جنينه الذي بدأ فى التشكل والتمظهر السياسي ( الأحزاب الشيوعية فى ايطاليا وفرنسا واليونان ) .

حددت واشنطن بمعاونة كبار البورجوازيين فى أوروبا واليابان  مسارين , الأول هو مواجهة المد اليساري الذي بدأ يتشكل فى معظم بلدان القارة المنهكة وتأمين السيطرة الكاملة على رأس المال والتحكم في مفاصله, والثاني إعادة رسم وبناء هياكل رأس المال في ألمانيا واليابان اللتين عرفت مجتمعاتهما بالضعف النسبي (النقابي والسياسي)، بما يعنيه ذلك من مردود  ربحي أكبر لرأس المال الأمريكي وللبورجوازيتين الألمانية واليابانية، فضلا عن توفّر تعاظم القدرة للنمو والتوسع في هذين البلدين والتحكم فيهما مستقبلا .

صار الدولار  سيّد العملات في العالم، خاصة بعد تقوقع الأتحاد السوفياتي خلف جراحه ( رغم الأنتصار الباهر فى الحرب ) ونجاح واشنطن في بسط سيطرتها عبر منظومة الاستثمارات والأستحواذ على المشروعات القائمة هناك، بوعود بالتسديد بالدولار، ومقابل منح الدائنين شهادات بتلك الوعود، فتحولت مخططات الإعمار العملاقة التي جعلت أوروبا واليابان، بمصانعها وشركاتها وأسواقها، مجرد مناطق تابعة يقتسم الاحتكاريون الأميركيون منافعها وأرباحها, وأدرك العالم بعدها أن المخصصات الأميركية لم تكن كافية لإعادة الإعمار، ووقع الجزء الأكبر على عاتق الشعوب في أوروبا واليابان، وحتى الجزء الأميركي الصغير لم يأت من خزائن الاحتكاريين الأميركيين، بل من مدّخرات المودعين والمساهمين الأميركيين الصغار، ومن دافعي الضرائب، ومن بعض المصارف الأميركية، فهم بالإجمال لم يوظفوا من جيوبهم ما يستحق الذكر، لكنهم جنوا (( كما يفعل السماسرة الذين يشعلون الحروب  دائما ))الفوائد الضخمة والأرباح الطائلة التي عزّزت مواقعهم في النظام الاقتصادى الدولي .

بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 986، لعام 1995؛ سمحت الأمم المتحدة للعراق ببيع جزءا من نفطه مقابل الغذاء, بعد نحو أربع سنوات من انعدام شبه كامل للغذاء والدواء, تعرض خلالها الشعب العراقي لابادة جماعية دون أستخدام الرصاص هذه المرة , واذلال تم وسط صمت مطلق من العرب والعالم ,.

كانت نسبة 66%،  من الايرادات تخصص  للحكومة العراقية للانفاق على البرنامج الإنساني _ الغذاء والدواء _(53%، لوسط البلاد وجنوبها؛ و13%، للمحافظات الشمالية الثلاث)؛ وكانت لجنة التعويضات تتلقى نسبة 30% من الإيرادات. ويتم توزيع المتبقي على بعثة الأمم المتحدة (!!!!) وفرق التفتيش والرصد التابعة لها .. وكان التركيز  الأممي لاحقا  ينصب على معالجة أوضاع الصناعة النفطية فيما لم يتحدث أحد عن البنية التحتية التى جرى تدميرها ( مرافق المياه والكهرباء والمستشفيات والمدارس والطرق الخ الخ ) .

تجرع العراق وحده كأس السم الممزوج بالزجاج المجروش .. لا مارشال ساعده ولا من يتمرجلون . فقط  السماسرة الذين أستبد بهم النهم هم من أمتص دم وعرق ونفط البلاد وأهلها

في غزة بدأ العدوان الصهيوني ( الأخير حتي الآن ..) فى التاسع من يوليو 2014 واستمر 51 يوما , وخلف 2200 شهيدا وأكثر من عشرة الآف جريح , فيما فقد اكثر من مائة الف فلسطيني لبيوتهم التى تهدمت بفعل ألة الحرب الصهيونية , وأكدت وكالة غوث اللاجئين الأونروا أن 80 ألف بيت قد دمرت بشكل كامل ولحق التدمير شبه الكامل بمرافق المياه والكهرباء . بعد نحو شهر من أنتهاء العدوان الأجرامي المدمر التقى فى القاهرة بدعوة من الأمم المتحدة اكثر من 50 دولة للتدارس بشأن توفير ملياري دولار لاعادة الاعمار من مبلغ أربعة مليارات دولار قدرت السلطة الوطنية فى رام الله ( المتخاصمة مع حماس فى القطاع ) أنها قد تساعد فى اعادة البناء  .. حصلت ( الفزعة ) على وعود ب 220 مليون دولار .. تلعثم الجميع وهم يرتجفون أمام تصريحات الأرهابي افيغدور ليبرمان بأن على المجتمعين فى القاهرة أن يدركوا أن أسرائيل لن تسمح بوصول سنت واحد لمن وصفهم بالأرهابيين فى القطاع المنكوب . وكان اسماعيل هنية قد أعلن  أن الأموال التى رصدت فى المؤتمرين السابقين لاعادة اعمار غزة في اعقاب العدوان الصهيوني ( 2008 _ 2011 ) لم يصل منها شئ على الاطلاق .. !!

كانت قطر ترسل فرق  قناة الجزيرة لتصوير قافلة من المعلبات والخيام لأهل القطاع , وكذا الأمارات والسعودية .. أرسلت ليبيا قبل 2011 كميات هائلة من الأدوية والمواد الغذائية وشرعت فى مخطط لبناء قرى كاملة وجهزت بعض المستشفيات والمدارس .. لكن الثابت أن النائب البرلماني البريطاني جورج غالوي سير قوافل أكثر مما أرسله الجميع .. كان كل ذلك بمثابة حبة أسبرين لأكثر من مليوني أنسان ..

تجرع الفلسطيني وحده كأس السم الممزوج بالزجاج المجروش .. لا مارشال ساعده ولا من يتمرجلون ( بأستثناء زعيق الأناشيد وحناجر المذيعين ) .. فقط حفنة من السماسرة الذين أستبد بهم النهم هم من يمتص دم وعرق ودموع البلاد وأهلها ..

السماسرة الذين لا يرتوون ولا يشبعون , يتربصون الآن بليبيا .. بعضهم من أبنائها .. بعضهم من أشقائها وابناء عمومتها .. وممن كانوا يوما من أصدقائها .. يرتبون المناخ المفخخ بالأبتسامات وبالأسى .. يطلقون العويل والنحيب حسرة .. ويقسمون بأغلظ الأيمان أنهم يحبون الليبيين ويرغبون في مساعدتهم وأنقاذهم من الحضيض الذين يقبعون فيه بسببهم هم تحديدا .. بدأت خيوط اللعبة تتكشف .. وأصبحنا نسمع عن تلك الترتيبات ( اجتماعات تحضيرية سرية فى القاهرة ولندن وعمان والدوحة ) وعن أستقالات من كيانات سياسية محكومة بالهشاشة تعكس خلافات على الغنيمة ..ووعود ( من لا يملك لمن لا يستحق ) .. السماسرة الذين صنعوا الخراب هم دائما فريق الذئاب والضباع والثعالب والطيور الجارحة التى تفترس ما تبقى من الجثة وتفتك بها ..

ولأن العويل لم يعد يجدي كما الدعاء , فان على الليبيين أن يعلنوا الرفض القاطع والمطلق لهكذا برامج وترتيبات , وأستبعاد جميع الأطراف التى شاركت وساهمت في قتل الليبيين وتهجيرهم وكذا الأطراف التى أفسدت الحياة السياسية, والدعوة بأن تتولى أدارة تلك المشاريع مجموعة من الدول التى تحتل قائمة الشفافية ( سنغافورة , السويد , كندا , الدنمارك ,) التى تحرم تشريعاتها وقوانينها الفساد بأشكاله كافة . بمشاركة من العناصر الوطنية الكفؤة من الذين لم يعرف عنهم سرقة المال العام أو التحريض بأي شكل كان على الخراب والفساد .

ليبيا تستحق أن تحظى بالآمان والأستقرار .

 

 

 

Mahmoud Albosifi
[email protected]