لعب ويلعب السودان الشقيق دوراً كبيراً في الأحداث الليبية منذ بداية عام 2011، فالرئيس السوداني عمر البشير كان أول رئيس عربي يزور ليبيا بعد سقوط نظام، كما إن السودان وفر منذ بداية الأحداث عام 2011 الدعم الكبير من ذخائر وأسلحة وصلت إلى الجماعات الاسلإمية في ليبيا عبر البر والبحر، فما أسباب ذلك، ومالسر الكبير وراء السودان كقاعدة وحديقة خلفية - للأخوان المسلمين - غير منظورة إعلاميا في مسيرة الأحداث في المنطقة، وفي ليبيا تحديداً ، ومأ أسباب هذا الإهتمام السوداني الكبير بالأوضاع الليبية، ولماذا؟، وما هي التبعات  البعيدة للتدخل في شوؤن الدول الاخرى ؟ !!!!

أن عرض تاريخي يعطينا صورة عميقة للدور السوداني المحوري وأسبابه التاريخية، وأسبابه الاخوانية المهمة هنا، ولربما أيضا في العمق الإنتقامية، ويمكننا أن نقسم هذه البسطة التاريخية إلى ثلاث مراحل:

الاولى: وهي مبكراً مع بدء التدخل الليبي في الشأن السوداني بقرار من القذافي فيما عرف بعملية إنزال طائرة (هاشم عطا) - قائد (انقلاب الشيوعيين السودانيين) على الرئيس نميري عام 1971 - في ليبيا، بل ويقال والعهدة على الراوي، إن كوماندوس ليبي هو من أخرج النميري من السجن وسلم  هاشم عطا لقواته، وهكذا دشنت هذه العملية إهتمام القذافي بالسودان والتدخل في شأنه الداخلي مبكرً جداً.

هذا  وعرفت لاحقاً العلاقات السودانية الليبية – أنذاك - متغيراً جديداً بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وتحالف النميري مع السادات في كل ما إتخذه من خطوات  سياسية إقليمية خاصة بعد كامب ديفيد ، وهكذا عرفت مروحة السياسة الليبية الخارجية صراع مع سودان ( النميري) أيضاً كما هو مع مصر أنذاك، وصار ملف السودان أحد أهم مناطق تدخل ليبيا (القذافي) دعماً للمعارضات السودانية بألوانها وأشكالها، وخاصة حركة التمرد (الحركة الشعبية) في جنوب السودان بقيادة جون قرنق، دعماً بالمال والسلاح والتخطيط والتغطية السياسية، وبالمقابل وفر النميري الملاذ لجبهة الانقاذ ( المعارضة الليبية) للتدريب وإطلاق إذاعة معارضة ليبية مسموعة - على الموجة القصيرة - تبث من الخرطوم، وتوجت عملية العداوة بقصف طائرات ليبية لإستديوهات الإذاعة السودانية في الخرطوم عام 1985، ثم كان لليبيا (القذافي) الدور الأكبر في ما عرف بثورة 6 إبريل التي أطاحت بالنميري، بل إن القذافي نفسه كان يوجه المتظاهرين وقياداتهم عبر أثير (إذاعة صوت الوطن العربي الكبير)، حسب خريطة مدينة الخرطوم بالتفصيل الدقيق، حتى فر النميري وقاد الرئيس سوار الذهب عملية الإنتقال السياسي فيما بعد.

الثانية: مرحلة ما بعد النميري، وهي مرحلة المخاض السوداني الذي كان للقذافي يد طويل فيه عبر علاقات متينة وقوية بأغلب تجمعات المعارضة السودانية من الصادق المهدي الى الميرغني في ما عرف بالقيادة الجماعية للسودان، إلى جون قرنق وغيرهم، ورغم هذا كله،  وبطريقة ما لعبت ليبيا (القذافي) نفسها، الدور الكبير في إنقلاب جبهة الإنقاذ (بقيادة عمر البشير وحسن الترابي) والإستيلاء على السلطة في الخرطوم عام 1989، حيث كان الكوماندوس السياسي والإقتصادي والعسكري الليبي يدير بكفاءة عالية عملية الدعم والمساندة، وكان الدعم المالي الليبي للسودان سخياً في المجال الإقتصادي والعسكري والعتاد، ومن جهة أخرى أيضاً في التغطية السياسية للحركات السودانية - التي تقريباً جميعها كانت مرتبطة بطرابلس وتتلقى الدعم منها - حتى صار الشأن السوداني، في ليبيا يحظى بقدر يساوي المحلي الليبي من الإهتمام السياسي والإعلامي والإقتصادي، بل وأدمنت أنذاك السياسة الليبية الموضوع السوداني والتعامل فيه، وهكذا صار القذافي لاعباً كبيراً في السودان ومرجعية يملك خيوط العلاقات العلنية والخفية في الواقع السوداني والتأثير فيه، كما إن إخوتنا السودانيين كانوا يملاؤن - جماعات وأفراد  -  فنادق طرابلس،  فريق يتلوه فريق، وكل فريق موالي أو معارض كان له ما يقوله وما يطلبه وما يحصل عليه، وما يتفق عليه أيضاً من مواضيع، وبدون الغوص في التفاصيل الليبية السودانية التي تحتاج الى مجلدات تحكيها، كانت سياسة ليبيا (القذافي) الخارجية قد أدمنت التدخل في شؤوون الأخرين الخارجية - وبالذات الأفريقية - ومنها السودان في التعامل مع الحكومة، وأيضاً مع من يمكن أن ينقلب عليها، ووصل الأمر إلى تغطية وتمويل (حركة العدل والمساواة) التي أردات إسقاط البشير ودخلت ألى أُم درمان وسيطرت عليها لأيام عام 2008، مما إضطر الرئيس البشير للقدوم الى ليبيا شخصياً شاكياً وحاملاً معه الأدلة والاثباتات حسبما صرح بذلك لحقاً.

 

هذا وكان للدعم الليبي القديم لجون قرنق  ومن خلفه، وحركته والعلاقة معها تأثير كبير في عمق الذهنية السودانية تجاه ليبيا سوى سلباً أو إيجاباً (حسب التوجه السياسي للسياسي السوداني) !! ، هذا الدعم الذي وصل إلى حد أن صرح القذافي جهاراً نهاراً في أغسطس 2009، " إن إنفصال جنوب السودان عن شماله قد يكون خياراً منطقياً ...  وإنه يؤيده وسيدعمه إن إختاره السكان"  كما قال " إن ليبيا لن تعترف بدارفور ولا تراها قضية مشابهة أو مساوية لقضية الجنوب السوداني" ، وعدد جملة من الأسباب الإجتماعية واللغوية، وكان ذلك تصريحا صادماً في عالم السياسة الدولية، واجهه السودان بصمت وذهول وإرتباك، وحنق، كان لابد أن تكون له تبعات لاحقاً !!!!!

 

الثالثة، مرحلة ماسمى الربيع العربي: بعد إنقسام السودان، مع دخول المنطقة اللعبة الإخوانية الدولية بمشروع إيصال الإخوان المسلمين للسلطة في المنطقة مطلع عام 2011، الأمر الذي يعني إن السودان يمكن أن يكون أحد اللاعبين الأساسيين فيه بحكم نزوع سلطته وإرتباطها بالإخوان المسلمين، حيث تعتبر السودان الملاذ الكبير الآمن لهم، والممول الخفي الحنون، حيث يجدون الصدر الرحب والنموذج الوصول للسلطة الذي يحلمون به ليلاً ونهاراً، ومع الهبة العارمة محلياً وإقيمياً ودولياً بداية 2011،  كان السودان حاضر بقوة خاصة في الموضوع الليبي، بدء مما عرف بمجموعة أصدقاء ليبيا !!، بل إن السودان من أوئل من دعموا ووفروا العدة والعتاد لليبيين وقد صرح بذلك رئيس المجلس التنفيذي (د. محمود جبريل) حيث وصل السلاح والعتاد مبكراً جداً بداية شهر مارس 2011، إلى الكفرة جنوب شرق ليبيا، ووصل بحراً إلى المنطقة الشرقية شرق ليبيا عبر بواخر سودانية.

 

هذا وكان البشير أول رئيس عربي يزور مدينة بنغازي نهاية عام 2011 ، وقال إنها المرة الأولى التي أزور فيها ليبيا (سعيد القلب) والتقى قادة النخب والثوار الليبيين،(كان البشير قبل عام 2011 يزور ليبيا دورياً ويلتقي القذافي !!) وقال إن إمكانيات السودان تحت تصرفكم، هذا وقد سبق ذلك،  خطاب للرئيس البشير في مدينة الخرطوم عدد فيه مدى التدخل الليبي في السودان إبان حكم القذافي ، وقال حرفيا " إن الله في السموات العلى قد مكننا من أن نرد له الزيارة" وكان يعني ويعي ما يقول، فقد رد  ولا زال حتى اليوم يرد الزيارة كما قال وأكثر !!!!!.

 

وهكذا ظهر في الموضوع الليبي لاعب آخر مهم، مخفي عن الاعلإم، له ربما دافعين إثنين، الأول:  له علاقة بالإخوان المسلمين ومشروعهم الإقليمي، الذين يعتبرون السودان نموذجهم في مجال الوصول للحكم والسيطرة على المؤسسة العسكرية، التي تعتبر الوحيدة في المنطقة التي إلى الأن يسيطر علي رأسها تيار محسوب ولربما منتمي للإخوان المسلمين، أما الدافع الثاني:  فلربما له علاقات بثارات سودانية من ليبيا !!! ، وأتمنى ان لاتكون ثارات  تتعلق برغبات إنفصالية، (رد للزيارة) كما قال الرئيس البشير !!!،

 

وهكذا لا تنقطع الطائرات العسكرية السودانية عن قاعدة معيتيقة (تسيطر عليها الجماعة الليبية المقاتلة) تحمل عتاد وأسلحة وأجهزة وجماعات، وخبراء، (حتى هذا الأسبوع تحديداً، وكلما واجه الإخوان والمقاتلة الليبية مصاعب)  الأمر الذي يطرح سؤالاً مشروع عن أبعاد وأهداف هذا الدور إخوانياً في المشروع الاخواني  في المنطقة وخاصة ليبيا، وأيضا من ناحية اخري يحمل في عمقه، أوزار وتبعات سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأُخرى التي مارستها ليبيا سابقاً، التي - مهما طال الزمن، ومهما عاش الإنسان - لابد أن يردوا لك (الزيارة)!!  كما قال الرئيس السوداني عمر البشير، وهو مالم تكن تقدره السياسات الليبية السابقة، وهو الدرس الذي يجب أن يعيه الساسة الليبيون اليوم من التدخل في الشأن السوري والتمويل السخي جداً للحرب هناك بالمقاتلين والعتاد والأموال الليبية السائبة، والمترعة عبر العالم، الأمر الذي يعني، أننا نُخلفَ ثأرات - لسنا في حاجة لها - قد يردها لنا أصحابها في زيارات لا نتمناها ولا يتمناها أحد مطلقاًمطلقاً. !!!!!

والله من وراء القصد

كاتب ليبي مقيم في بريطانيا