أن يبلغ السابعة والثمانين من عمره ، ويحافظ على  صفاء ذاكرته وسلامة حافظته ويقظة عقله ولياقة بدنه وإستقامة لسانه فهذا أمر يحسب للباجي قائد السبسي المرشّح المرجح فوزه برئاسة تونس ،والذي يمكن أن يدخل كتاب « غينيس » للأرقام القياسية بتسجيله رقما قياسيا عالميا في تولّي المناصب الكبرى والوظائف المهمة للدولة  على إمتداد 60 عاما ، فقد عمل مديرا ومستشارا وسفيرا ووزيرا ، وشغل وزارات السيادة الأبرز : الداخلية والدفاع والخارجية ، ثم ترأس البرلمان لفترة ، وترأس الحكومة لفترة أخرى ، وهو اليوم يطمح لرئاسة الدولة وله حظوظ كبيرة في إن يصل الى مبتغاه ليصبح صاحب الرئاسات والوزارات معا 

وقد يبدو الأمر غريبا فعلا ، عندما نعرف أن قائد السبسي عمل صلب الدولة في زمن الملكية ، وزمن بورقيبة ،وزمن بن علي ، ثم في زمن الثورة ، مما يعني أنه كان رجل كل الحقب التاريخية التي عايشها ، وهذا أمر لم يتحقق لغيره ، وخاض غمار الموالاة والمعارضة فوقف على يمين السلطة وعلى يسارها ، وعندما أسّس حزبا في يونيو 2012 أطلق عليه إسم حركة نداء تونس ، إستطاع أن يجمع فيه المتناقضات تحت شعار إحداث التوازن السياسي مع الإخوان ، ونجح في أن يحتضن في حزبه يساريين وليبيراليين ونقابيين وبورقيبيين وتجمّعيين كانوا مع النظام السابق ، وثوريين كانوا ضد بورقيبة وبن علي ، وفي ظرف عامين وأربعة أشهر فقط، دخل الإمتحان الإنتخابي وفاز بالمرتبة الأولى في عدد المقاعد بالبرلمان ،

والباجي الذي عرف اليتم عندما توفي والده وهو طفل ، درس في فرنسا وتخرّج من جامعاتها محاميا ،وفي باريس  تعرّف على بورقيبة زمن الحركة التحريرية ، وتبنى مشروعه ، وإختار أن يسير على نهجه ، ولا يزال الى اليوم سائرا على النهج ذاته ، وعندما تشكلت أول حكومة بعد الإستقلال إختاره بورقيبة مستشارا له ، وكان تونس لا تزال مملكة حسينية في ظل حكم البايات الذي كانت أسرته قريبة منه ، إلى أن تمت الإطاحة بالملك والملكية في يوليو 1957، 

جاءه إسم الباجي من ولادته في رحاب سيدي بوسعيد الباجي ،وهو ولي صالح كان مرابطا في هضبة لحراسة تونس وكان زهدا وناسكا متصوّفا وعالما جليلا لا يزال مقامه مقصدا للأسر التي تؤمن بأنها تنهل من بركاته ، ولا يزال إسمه مرتبطا بتلك الهضبة التي تعد من أجمل ضواحي العاصمة التونسية وهي ضاحية سيدي بوسعيد ، أما قائد السبسي فتعود الى زمن جدّه الذي كان مسؤولا عن سيجارة الباي ،والسجائر كانت تسمى بالسبسي عند التونسيين في تلك المرحلة وكانت لها أجواؤها وطقوسها وقائدها في قصر  صاحب الأمر وملك البلاد

واليوم ، يبدو ذلك الرجل المسنّ ، مستجيبا لطموح أجيال ترى فيه عنوانا للحداثة ورمزا للخصوصية المحلية التونسية وحصنا لمكتسبات الدولة الحديثة ،وكذلك نموذجا للتميزّ والنجاح ، وللجاذبية العاطفية أو الكاريزما التي تعصف بكل محاولات النيل من صاحبها ، وتدفع به الى واجهة الأحداث ليكون رئيس تونس القادم وليكون أول رجل في العالم وضع على بطاقة سيرته الذاتية جميع الرئاسات وجلّ الوزارات واأهم من ذلك التأثير في جميع المراحل التي مرّ بها في حياته